فالرِّبا (?) والظُّلمُ والفواحشُ والسِّحرُ وشربُ الخمر وإن كانت شرورًا ومفاسدَ ففيها منفعةٌ ولذَّةٌ لفاعلها، ولذلك يؤثِرها ويختارُها، وإلا فلو تجرَّدت مفسدتهُا من كلِّ وجهٍ لما آثرها العاقل، ولا فعَلها أصلًا.
ولما كانت خاصَّةُ العقل النَّظر إلى العواقب والغايات، كان أعقلُ النَّاس أتركَهم لما ترجَّحت مفسدتُه في العاقبة، وإن كانت فيه لذَّةٌ ما ومنفعةٌ يسيرةٌ بالنسبة إلى مضرَّته.
* ونازعهم آخرون، وقالوا: القسمةُ تقتضي إمكانَ هذين القسمين، والوجودُ يدلُّ على وقوعهما، فإنَّ معرفة الله ومحبتَه والإيمان به خيرٌ محضٌ من كلِّ وجهٍ لا مفسدة فيه بوجهٍ ما.
قالوا: ومعلومٌ أنَّ الجنَّة خيرٌ محضٌ لا شرَّ فيها أصلًا، وأنَّ النَّار شرٌّ محضٌ لا خير فيها أصلًا، وإذا كان هذان القسمان موجودان في الآخرة فما المُحِيلُ (?) لوجودهما في الدُّنيا؟ !
قالوا: وأيضًا فالمخلوقاتُ كلُّها منها ما هو خيرٌ محضٌ لا شرَّ فيه أصلًا كالأنبياء والملائكة، ومنها ما هو شرٌّ محضٌ لا خير فيه أصلًا كإبليسَ والشياطين، ومنها ما هو خيرٌ وشرٌّ وأحدُهما غالبٌ على الآخر، فمن النَّاس من يَغْلِبُ خيرُه على شرِّه، ومنهم من يَغْلِبُ شرُّه على خيره؛ فهكذا الأعمالُ منها ما هو خالصُ المصلحة وراجحُها، وخالصُ المفسدة وراجحُها، هذا في الأعمال كما أنَّ ذلك في العُمَّال.