قالوا: وقد قال الله تعالى في السَّحرة: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} [البقرة: 102] , فهذا دليلٌ على أنه مضرَّةٌ خالصةٌ لا منفعة فيه:
إمَّا لأنَّ بعض أنواعه مضرَّةٌ خالصةٌ لا منفعة فيها بوجه، فما كلُّ السِّحر يحصِّلُ غرضَ السَّاحر، بل يتعلَّمُ مئة بابٍ منه حتى يحصِّل غرضَه بباب، والباقي مضرَّةٌ خالصة. وقِس على هذا (?). فهذا من القسم الخالص المفسدة.
وإمَّا لأنَّ المنفعة الحاصلة للسَّاحر لما كانت مغمورةً مُسْتَهلَكةً في جنب المفسدة العظيمة فيه جُعِلت كَلا منفعة؛ فيكونُ من القسم الراجح المفسدة.
وعلى القولين (?) فكلُّ مأمورٍ به فهو راجحُ المصلحة على تركه، وإن كان مكروهًا للنُّفوس؛ قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216، 217]، فبيَّن أنَّ الجهاد الذي أُمِروا به وإن كان مكروهًا للنُّفوس شاقًّا عليها فمصلحتُه راجحة، وهو خيرٌ لهم، وأحمَدُ عاقبة، وأعظمُ فائدةً من التقاعُد عنه وإيثار البقاء والراحة، فالشرُّ الذي فيه مغمورٌ بالنسبة إلى ما تضمَّنه من الخير.
وهكذا كلُّ منهيٍّ عنه فهو راجحُ المفسدة وإن كان محبوبًا للنُّفوس موافقًا للهوى، فمضرَّتُه ومفسدتُه أعظمُ مما فيه من المنفعة، وتلك المنفعةُ