ولهذا كان الصَّحابةُ أعرفَ الأمَّة بالإِسلام وتفاصيله وأبوابه وطرقه، وأشدَّ النَّاس رغبةً فيه، ومحبةً له، وجهادًا لأعدائه، وتكلُّمًا بأعلامه، وتحذيرًا من خلافه؛ لكمال علمهم بضدِّه، فجاءهم الإِسلامُ كلُّ خصلةٍ منه مضادَّةٌ لكلِّ خصلةٍ مما كانوا عليه، فازدادوا له معرفةً وحبًّا، وفيه جهادًا؛ بمعرفتهم بضدِّه.

وذلك بمنزلة من كان في حَصَرٍ شديدٍ وضيقٍ ومرضٍ وفقرٍ وخوفٍ ووَحْشَة، فقيَّض الله له من نقله منه إلى فضاءٍ وسَعةٍ وأمنٍ وعافيةٍ وغِنًى وبهجةٍ ومسرَّة، فإنَّه يزدادُ سرورُه وغِبطتُه ومحبتُه بما نُقِل إليه بحسب معرفته بما كان فيه.

وليس حالُ هذا كمن وُلِد في الأمن والعافية والغِنى والسُّرور، فإنَّه لم يشعُر بغيره، وربما قُيِّضت (?) له أسبابٌ تخرجُه عن ذلك إلى ضدِّه وهو لا يشعُر، وربما ظنَّ أنَّ كثيرًا من أسباب الهلاك والعَطب تفضي به إلى السَّلامة والأمن والعافية، فيكون هلاكُه على يَدَي نفسه وهو لا يشعُر. وما أكثر هذا الضَّربَ من النَّاس!

فإذا عَرَف الضدَّين، وعَلِم مباينةَ الطَّرفين (?)، وعَرَف أسبابَ الهلاك على التفصيل، كان أحرى أن تدُوم له النِّعمة، ما لم يُؤْثِر أسبابَ زوالها على عِلم، وفي مثل هذا قال القائل:

عرفتُ الشَّرَّ لا للشَّرْ ... رِ لكنْ لِتَوقِّيهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015