عظمًا واحدًا لكان مَضرَّةً على الإنسان يحتاجُ إلى قَلْعِه (?)، ولو نقصت عظمًا واحدًا كان نقصانًا يحتاجُ إلى جَبْره.
فالطَّبيبُ ينظرُ في هذه العظام وكيفية تركيبها ليعرفَ وجه العلاج في جَبْرِها، والعارفُ ينظرُ فيها ليستدلَّ بها على عظمة باريها وخالقها، وحكمته وعلمه ولُطْفِه. وكم بين النظرَين!
ثمَّ إنه سبحانه رَبَط تلك الأعضاء والأجزاءَ بالرِّباطات، فشدَّ بها أسْرَها، وجعلها كالأوتاد (?) تمسكُها وتحفظها، حتى بلغ عددُها (?) إلى خمس مئةٍ وتسعةٍ وعشرين رباطًا، وهي مختلفةٌ في الغِلَظِ والدِّقَّة، والطُّول والقِصَر، والاستقامة والانحناء، بحسب اختلاف مواضعها ومَحَالهِّا.
فجعل منها أربعةً وعشرين رباطًا آلةً لتحريك العين وفَتحِها وضمِّها وإبصارها، لو نقصت منهنَّ رباطًا واحدًا اختلَّ أمرُ العين، وهكذا (?) لكلِّ عضوٍ من الأعضاء رباطاتٌ هي له كالآلات التي بها يتحرَّكُ ويتصرَّفُ ويفعلُ كلَّ ذلك. صُنْعَ الرَّبِّ الحكيم، وتقديرَ العزيز العليم، في قطرةٍ من ماءٍ مَهين، فويلٌ للمكذِّبين، وبُعدًا للجاحدين.
ومن عجائب خَلقِه أنه جَعَل في الرأس ثلاثَ خزائنَ نافذًا بعضُها إلى بعض؛ خِزانةً في مُقَدَّمه، وخِزانةً في وسطه، وخِزانةً في آخره، وأودع تلك الخزائنَ من أسراره ما أودَعها من الذِّكر والفِكر والتعقُّل.