الثالث: أنه إذا كان متصفًا بها، فما طريقُ حفظها ودوامها؟ وإن لم يكن متصفًا بها فما طريقُ اجتلابها والتخلُّق بها؟

ثمَّ فكرتُه في الأفعال على هذين الوجهين أيضًا سواء.

ومجاري هذه الأفكار ومواقعُها كثيرةٌ جدًّا لا تكادُ تنضبط، وإنما يحصرها ستةُ أجناس: الطاعاتُ الظاهرةُ والباطنة، والمعاصي الظاهرةُ والباطنة، والصفاتُ والأخلاقُ الحميدة، والأخلاقُ والصفاتُ الذميمة. فهذه مجاري الفكرة في صفات نفسه وأفعالها (?).

وأمَّا الفكرةُ في صفات المعبود وأفعاله وأحكامه، فتوجبُ له التمييزَ بين الإيمان والكفر، والتوحيد والشرك، والإقرار والتعطيل، وتنزيه الربِّ عمَّا لا يليقُ به، ووصفه بما هو أهلُه من الجلال والإكرام.

ومجاري هذه الفكرة: تدبُّرُ كلامه، وما تعرَّف به سبحانه إلى عباده على ألسنة رسله من أسمائه وصفاته وأفعاله، وما نزَّه نفسَه عنه مما لا ينبغي له ولا يليقُ به سبحانه، وتدبُّرُ أفعاله وأيامه في أوليائه وأعدائه التي قَصَّها على عباده وأشهدهم إيَّاها؛ ليستدلُّوا بها على أنه إلههم الحقُّ المبينُ الذي لا تنبغي العبادةُ إلا له، ويستدلُّوا بها على أنه على كلِّ شيءٍ قدير، وأنه بكلِّ شيءٍ عليم، وأنه شديدُ العقاب، وأنه غفورٌ رحيم، وأنه العزيزُ الحكيم، وأنه الفعَّالُ لما يريد، وأنه الذي وَسِعَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعلمًا، وأنَّ أفعالَه كلَّها دائرةٌ بين الحكمة والرحمة، والعدل والمصلحة، لا يخرجُ شيءٌ منها عن ذلك.

وهذه الثمرةُ لا سبيل إلى تحصيلها إلا بتدبُّر كلامه والنظر في آثار أفعاله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015