أيضًا محلَّان ومنزلان: أحدهما: هذه الدار، والآخر: دار القرار.
* فأبناءُ الدنيا الذين ليس لهم في الآخرة مِنْ خَلاقٍ عمَّروا بيوتَ أفكارهم بتلك الأقسام الأربعة في هذه الدار، فأثمرت لهم أفكارُهم فيها ما أثمرت، ولكن إذا حَقَّت الحقائق، وبطلت الدنيا، وقامت الآخرة؛ تبيَّن الرابحُ من المَغْبون، وخسر هنالك المبطلون.
* وأبناءُ الآخرة الذين خُلِقوا لها عمَّروا بيوتَ أفكارهم على تلك الأقسام الأربعة فيها.
ونحن نفصِّلُ ذلك بعون الله وفضله، فنقول: كلُّ طالبٍ لشيءٍ فهو محبٌّ له، مُؤثِرٌ لقُربه، ساعٍ في طريق تحصيله، متوصِّلٌ إليه بجهده، وهذا يوجبُ له تعلُّقَ أفكاره بجمال محبوبه وكماله وصفاته (?) التي يُحَبُّ لأجلها، وتعلُقها بما ينالُه به من الخير والفرحة والسرور.
ففكرُه في حال محبوبه دائر بين الجمال والإجمال (?)، والحُسْن والإحسان، فكلَّما قويت محبَّتُه له ازدادَ هذا الفكرُ وقَوِيَ وتضاعف، حتى يستغرقَ أجزاءَ القلب فلا يبقى فيه فضلٌ لغيره، بل يصيرُ بين الناس بقالبه، وقلبُه كلُّه في حضرة محبوبه.
فإن كان هذا المحبوبُ هو المحبوبَ الحقَّ الذي لا تنبغي المحبةُ إلا له، ولا يُحَبُّ غيرُه إلا تبعًا لمحبَّته، فهو أسعدُ المحبِّين به، وقد وضعَ الحبَّ موضعَه، وتهيّأت نفسُه لكمالها الذي خُلِقَت له الذي لا كمال لها بدونه