فقلتُ لهم: ظُنُّوا بألفَيْ مقاتلٍ ... سَراتُهمُ في الفارسيِّ المُسَرَّدِ
أي: استيقِنوا بهذا العدد.
وأبى ذلك طائفة، وقالوا: لا يكونُ اليقينُ إلا للعلم.
وأمَّا الظن، فمنهم من وافق على أنه يكونُ بمعنى العلم.
ومنهم من قال: لا يكون (?) الظنُّ في موضع اليقين. وأجابوا عمَّا احتجَّ به من جوَّز ذلك بأن قالوا: هذه المواضعُ التي زعمتم أنَّ الظنَّ وقع فيها موقعَ اليقين كلُّها على بابها؛ فإنَّا لم نجد ذلك إلا في علمٍ بمُغيَّب، ولم نجدهم يقولون لمن رأى الشيء: "أظنُّه"، ولمن ذاقه: "أظنُّه"، وإنما يقالُ لغائبٍ قد عُرِفَ بالسَّمع والعقل (?)، فإذا صار إلى المشاهدة امتنع إطلاقُ الظنِّ عليه.
قالوا: وبين العِيان والخبر مرتبةٌ متوسِّطةٌ باعتبارها أُوقِعَ على العلم بالغائب الظنُّ؛ لفقد الحال التي تحصل لِمُدْرِكه بالمشاهدة.
وعلى هذا أُخرِجَت (?) سائرُ الأدلَّة التي ذكرتموها.
ولا يَرِدُ على هذا قولُه: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} لأن الظنَّ إنما وقع على مُواقَعَتها (?)، وهي غيبٌ حال الرؤية، فإذا واقعوها لم يكن ذلك ظنًّا، بل حقُّ يقين.