ولو فرضنا شخصين: أحدهما يسمعُ كلام الرسول ولا يرى شخصَه، والآخر بصيرٌ يراه ولا يسمعُ كلامَه لصممه، هل كانا سواءً؟ !
وأيضًا؛ ففاقدُ البصر إنما يفقدُ إدراكَ بعض الأمور الجزئية المشاهَدة، ويمكنُه معرفتُها بالصِّفة ولو تقريبًا، وأمَّا فاقدُ السمع فالذي فاته من العلم لا يمكنُ حصولُه بحاسَّة البصر ولا قريبًا.
وأيضًا؛ فإنَّ ذمَّ الله تعالى للكفار بعدم السمع في القرآن أكثرُ من ذمِّه لهم بعدم البصر، بل إنما يذمُّهم بعدم البصر تبعًا لعدم العقل والسمع.
وأيضًا؛ فإنَّ الذي يُورِدُه السمعُ على القلب من العلوم لا يلحقُه فيه كلالٌ ولا سآمةٌ ولا تعبٌ مع كثرته (?) وعِظَمِه، والذي يُورِدُه البصرُ عليه يلحقُه فيه الكَلالُ والضعفُ والنقص، وربَّما خشي صاحبُه على ذهابه مع قلَّته ونزارته بالنسبة إلى السمع.
* وقالت طائفة، منهم ابن قتيبة: بل البصرُ أفضل (?)؛ فإنَّ أعلى النعيم وأفضلَه وأعظمَه لذَّةً هو النظرُ إلى الله في الدار الآخرة، وهذا إنما ينالُ بالبصر، وهذه وحدها كافيةٌ في تفضيله.
قالوا: وهو مقدِّمةُ القلب وطليعتُه ورائدُه، فمنزلتُه منه أقربُ من منزلة السمع؛ ولهذا كثيرًا ما يُقْرَنُ بينهما في الذِّكر؛ كقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي