وعندي في الحديثين مسلكٌ آخر يتضمَّن إثباتَ الأسباب والحِكَم، ونفيَ ما كانوا عليه من الشرك واعتقاد الباطل، ووقوعَ النفي والإثبات على وجهه، فإنَّ القوم (?) كانوا يثبتونَ العدوى على مذهبهم من الشرك الباطل، كما يقوله المنجِّمون من تأثير الكواكب في هذا العالم وسُعودها ونحوسها، كما تقدَّم الكلامُ عليهم.

ولو قالوا: إنها أسبابٌ أو أجزاءُ أسبابٍ إذا شاء الله صرَف مقتضياتها بمشيئته وإرادته وحكمته، وإنها مسخَّرةٌ بأمره لِمَا خُلِقَت له، وإنها في ذلك بمنزلة سائر الأسباب التي ربَط بها مسبَّباتها، وجعَل لها أسبابًا أخرَ تعارضها وتمانعها، وتمنعُ اقتضاءها لِمَا جُعِلَت أسبابًا له.

وإنها لا تقتضي مسبَّباتها إلا بإذنه ومشيئته وإرادته، ليس لها من ذاتها ضرٌّ ولا نفعٌ ولا تأثيرٌ البتَة، إنْ هي إلا خلقٌ مسخَّرٌ مصرَّفٌ مربوب، لا تتحركُ إلا بإذن خالقها ومشيئته، وغايتُها أنها جزءُ سببٍ، ليست سببًا تامًّا، فسببيَّتها من جنس سببيَّة وطء الوالد في حصول الولد، فإنه جزءٌ واحدٌ من أجزاء كثيرةٍ من الأسباب التي خلقَ الله بها الجنين، وكسببيَّة شَقِّ الأرض وإلقاء البَذْر، فإنه جزءٌ يسيرٌ من جملة الأسباب التي يكوِّنُ الله بها النبات، وهكذا جملةُ أسباب العالَم من الغذاء والدواء والعافية والسَّقم وغير ذلك.

وإنَّ الله سبحانه يجعلُ من ذلك سببًا ما يشاء ويبطلُ السببيَّةَ عمَّا يشاء، ويخلقُ من الأسباب المعارضة له ما يحولُ بينه وبين مقتضاه.

فهم لو أثبتوا العدوى على هذا الوجه (?) لما أُنكِرَ عليهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015