والمقصودُ الكلام على قوله: "إنَّ الاستدلال بحصول الحياة في بِنْية الحيوان على وجود الصَّانع أقوى من دلالة تركيب الأجرام الفلَكيَّة"، وهو مبنيٌّ على هذا الأصل الفاسد.
* وأما استدلاله بقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا} [ص: 27]، فعجبٌ من العجب! فإنَّ هذا من أقوى الأدلة وأبينها على بطلان قول المنجِّمين والدَّهرية الذين يُسْنِدُون جميعَ ما في العالم من الخير والشرِّ إلى النجوم وحركاتها واتصالاتها، ويزعمون أنَّ ما تأتي به من الخير والشرِّ مُغْنٍ عن تعريف (?) الرسل والأنبياء، وكذلك ما تُعطيه من السُّعود والنُّحوس.
وهذا هو السَّببُ الذي سُقْنا الكلام لأجله معهم لمَّا حكينا قولَهم (?): إنه لمَّا كانت الموجوداتُ في العالم السُّفليِّ مترتِّبة (?) على تأثير الكواكب والرُّوحانيَّات التي هي مدبِّراتُ الكواكب، وكان (?) في اتصالاتها نَظَرُ سعدٍ ونحس، وَجَبَ أن يكون في آثارها حُسْنٌ وقُبحٌ في الخَلق والأخلاق، والعقولُ الإنسانيةُ متساويةٌ في النوع، فوجبَ أن يدركها كلُّ عقلٍ سليم، ولا يتوقَّفُ إدراكُها على من هو مثلُ ذاك العاقل في النوع، {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} [المؤمنون: 24].