وأسمى وأدومُ وأبقى من جميع فوائد سائر العلوم (?) التي حازها أولئك العالِمون؛ لأنَّ أولئك أعمَلوا فوائدَ علومهم فيما حَفِظ عليهم حدَّ الإنسان وخَلْقَه وعادته وشهوتَه (?) وراحتَه في اجتلاب نفعٍ ودفع ضرر، ونقصَت رتبتُهم عن مشابهته ومناسبته، والتشبُّه بخاصَّته، والتحلِّي بحِلْيته، ولذلك جَبَر اللهُ نقصَهم في علمهم بفوائدَ نالوها، ومنافعَ أحرزوها (?).
فأمَّا من أرادَ معرفةَ هذه الخفايا والأسرار من هذه الأجرام والأنوار على ما هُيِّئت له ونُظِمَت عليه، فهو حريٌّ جديرٌ أن يعرى من جميع ما وجده صاحبُ كلِّ علمٍ في علمه من المرافق والمنافع، ويفردَ بالحكم (?) من رتبها على ما هي عليه، غيرَ مستفيدٍ بذلك فائدةً ولا جدوى.
وهذه لطيفةٌ شريفة، متى وُقِفَ عليها حقَّ الوقوف، وتُقبِّلت حقَّ التقبُّل، كان المدركُ لها أجلَّ من كلِّ فائتٍ وإن عزَّ؛ لأنها بشريَّةٌ صارت إلهيَّة، وجسميَّةٌ استحالت رُوحانيَّة، وطينيَّةٌ انقلبت نُوريَّة، ومركَّبٌ عاد بسيطًا، وجزءٌ استحال كُلًّا، وهذا أمرٌ قلَّما يهتدى إليه ويتنبَّه عليه.
* وقال آخر- وهو أبو سليمان المنطقي، وقد سأله أبو حيَّان تلميذُه عن هذه الأجوبة وما فيها من حقٍّ وباطل-: إنَّ هاهنا أنفسًا خبيثة، وعقولًا رديَّة، ومعارفَ خسيسة، لا يجوزُ لأربابها أن يَنْشَقُوا ريحَ الحكمة، أو يتطاولوا إلى