* وأيضًا؛ فإنه سبحانه لا شيء أحبَّ إليه من العبد مِنْ تذلُّله بين يديه، وخضوعه وافتقاره، وانكساره وتضرُّعه إليه.
ومعلومٌ أنَّ هذا المطلوبَ من العبد إنما يتمُّ بأسبابه التي يتوقَّف عليها، وحصولُ هذه الأسباب في دار النعيم المطلق والعافية الكاملة ممتنع؛ إذ هو مستلزمٌ للجمع بين الضدَّين.
* وأيضًا؛ فإنه سبحانه له الخلقُ والأمر، والأمرُ هو شرعُه وأمرُه ودينُه الذي بعث به رسلَه، وأنزل به كتبه، وليست الجنةُ دار تكليفٍ تجري عليهم فيها أحكامُ التكليف ولوازمُها، وإنما هي دارُ نعيمٍ ولذَّة؛ فاقتضت حكمتُه سبحانه إخراجَ آدمَ (?) وذريَّته إلى دارٍ تجري عليهم [فيها] (?) أحكامُ دينه وأمره؛ ليظهرَ فيهم مقتضى الأمر ولوازمُه؛ فإنَّ الله سبحانه كما أنَّ أفعاله وخلقَه من لوازم كمال أسمائه الحسنى وصفاته العلى، فكذلك أمرُه وشرعُه وما يترتبُ عليه من الثواب والعقاب.
وقد أرشدَ سبحانه إلى هذا المعنى في غير موضعٍ من كتابه، فقال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)} [القيامة: 36]، أي: مهملًا معطَّلًا لا يؤمرُ ولا يُنهى، ولا يثابُ ولا يعاقَب.
وهذا يدلُّ على أنَّ هذا منافٍ لكمال حكمته، وأنَّ ربوبيته وعزَّته وحكمته تأبى ذلك، ولهذا أخرجَ الكلامَ مخرجَ الإنكار على من زعم ذلك، وهو يدلُّ على أنَّ حُسْنَه مستقرٌّ في الفِطر والعقول، وقُبحَ تركه سدًى معطَّلًا مستقرٌّ في