فأسبابُ التُّهمة والعداوة الحاملة على القتل لا تكادُ توجدُ في الآباء، وإن وُجِدَت نادرًا فالعبرةُ بما اطَّردَت عليه عادةُ الخليقة.
وهنا للنَّاس طريقان:
أحد هما: أنَّا إذا تحقَّقنا التُّهمةَ وقصدَ القتلِ والإزهاق، بأن يُضْجِعَه ويذبحه- مثلًا-، أجرَينا القِصاصَ (?) بينهما؛ لتحقُّق قصدِ الجناية، وانتفاءِ المانع من القصاص. وهذا قولُ أهل المدينة (?).
والثَّاني: أنه لا يجري القِصاصُ بينهما بحال، وإن تحقَّق قصدُ القتل؛ لمكان الجُزئيَّة والبعضيَّة المانعة من الاقتصاص من بعض أجزاء الإنسان لبعضه. وهو قولُ الأكثرين (?).
ولا يَرِدُ عليهم قتلُ الولد بوالده، وإن كان بعضَه؛ لأنَّ الأبَ لم يُخْلَق من نطفة الابن، فليس الأبُ بجزءٍ له حقيقةً ولا حكمًا، بخلاف الولد فإنه جزءٌ حقيقةً.
وليس هذا موضعَ استقصاء الكلام على هذه المسائل؛ إذ المقصودُ بيانُ اشتمالها على الحِكَم والمصالح التي يُدْرِكُها العقلُ وإن لم يَسْتَقِلَّ بها، فجاءت الشريعةُ بها مقرِّرة لما استقرَّ في العقل إدراكُه ولو من بعض الوجوه.