وليس هذا مكانَ استيعاب الكلام على هذه المسألة (?)، وإنما الغرض التَّنبيهُ على أنَّ في صريح العقل الشهادةَ لما جاء به الشرعُ فيها.

فصل

وعكسُ هذا أنه لم يَشْترط المكافأةَ في علمٍ وجهل، ولا في كمالٍ وقُبح، ولا في شَرَفٍ وضَعَة، ولا في عقلٍ وجنون، ولا في أجنبيَّةٍ وقَرابة، خلا الوالدَ والولد.

وهذا من كمال الحكمة وتمام النِّعمة، وهو في غاية المصلحة؛ إذ لو رُوعِيَت هذه الأمورُ لتعطَّلت مصلحةُ القِصاص إلا في النَّادر البعيد؛ إذ قلَّ أن يستوي شخصان من كلِّ وجه، بل لا بدَّ من التَّفاوت بينهما في هذه الأوصافِ أو في بعضها؛ فلو أنَّ الشريعة جاءت بأن لا يُقْتَصَّ إلا مِنْ مُكافئٍ مِنْ كلِّ وجه، لفسدَ العالَم، وعَظُمَ الهَرْج، وانتشر الفساد. ولا يجوزُ على عاقل وضعُ هذه السِّياسة الجائرة، وواضِعُها إلى السَّفه أقربُ منه إلى الحكمة، فلا جَرَمَ أهدَرَت الشَّرائعُ اعتبارَ ذلك (?).

وأمَّا الولدُ والوالدُ فمَنَعَ من جَرَيان القِصاص بينهما حقيقةُ البعضيَّة والجُزئيَّة (?) التي بينهما؛ فإنَّ الولد جزءٌ من الوالد، ولا يُقْتَصُّ لبعض أجزاء الإنسان من بعض، وقد أشار تعالى إلى ذلك بقوله: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015