وكذلك عُمَّالُ الآخرة، لو قالوا: "تعبُ العملِ ومشقَّتُه أمرٌ متحقِّق، وحُسْنُ الخاتمة أمرٌ موهوم"، لعطَّلوا الأعمالَ جملة.
وكذلك الأُجَراءُ والصُّنَّاعُ والملوكُ والجندُ وكلُّ طالب أمرٍ من الأمور الدُّنيويَّة أو الأخرويَّة، لولا بناؤه على الغالب وما جرت به العادةُ لما احتَمل المشقَّة المتيقَّنة لأمرٍ منتَظر.
ومِنْ هاهنا قيل: إنَّ إنكار هذه المسألة يستلزمُ تعطيلَ الدُّنيا والآخرة من وجوهٍ متعدِّدة.
الوجه السادس والخمسون: قولكم: "ويعارضُه معنًى ثالثٌ وراءهما فيفكِّر العقلُ: أيراعِي شروطًا أخرى وراء مجرَّد الإنسانية، من العقل والبلوغ، والعلم والجهل، والكمال والنَّقص، والقَرابة والأجنبية، فيتحيَّر العقلُ كلَّ التحيُّر، فلا بدَّ إذَن من شارعٍ يفصِّلُ هذه الخُطَّة، ويعيِّنُ قانونًا يطَّردُ عليه أمرُ الأمَّة، وتستقيمُ عليه مصالحهم" (?).
فيقال: لا ريبَ أنَّ الشرائعَ تأتي بما لا تستقل العقولُ بإدراكه، فإذا جاءت به الشريعةُ اهتدى العقلُ (?) حينئذٍ إلى وجه حُسْن مأموره وقُبح منهيِّه، فنبَّهَته (?) الشريعةُ على وجه الحكمة والمصلحة الباعثَين لشرعه.
فهذا مما لا يُنْكَر.
وهذا الذي قلنا فيه: إنَّ الشرائعَ تأتي بمَحَارات العقول لا بمُحَالات