الوجه الخامس والخمسون: قولكم: "إنَّ مصلحةَ الرَّدع والزَّجر وإحياء النَّوع أمرٌ متوهَّم" = كلامٌ بيِّنٌ فسادُه، بل هو أمرٌ متحقِّقٌ وقوعُه عادةً، ويدلُّ عليه ما نشاهدُه من الفساد العامِّ عند ترك الجُناة والمفسدين وإهمالهم وعدم الأخذ على أيديهم، والمتوهِّم من زَعَمَ أنَّ ذلك موهوم.

وهو بمثابة من دَهَمه العدوُّ، فقال: لا نعرِّض أنفسَنا لمشقَّة قتالهم، فإنه مفسدةٌ متحقِّقة، وأمَّا استيلاؤهم على بلادنا وسَبْيُهم ذرارينا وقتلُ مقاتِلَتنا فموهومٌ!

فياليت شِعْري .. من الموهومُ (?) المخطئ في وهمِه؟ ! ونظيرُه أيضًا: أنَّ الرَّجلَ إذا تبيَّغ به الدَّم (?)، واضطُرَّ إلى إخراجه، أن لا يَعْرِض لشَقِّ جِلْده وقَطْع عُروقه؛ لأنه ألمٌ محقَّقٌ لأمرٍ موهوم!

ولو طُرِدَ هذا القياسُ الفاسدُ لخَرِبَ العالم، وتعطَّلت الشرائع.

والاعتمادُ في طلب مصالح الدَّارين ودفع مفاسدهما مبنيٌّ على هذا الذي سمَّيتموه أنتم موهومًا؛ فالعُمَّالُ في الدُّنيا إنما يتصرَّفون بناءً على الغالب المعتاد الذي اطَّردت به العادة، وإن لم يجزموا به؛ فإنَّ الغالبَ صِدقُ العادة واطِّرادُها عند قيام أسبابها:

فالتَّاجرُ يحتمِلُ مشقَّةَ السَّفر في البرِّ والبحر بناءً على أنه يَسْلَمُ ويَغْنَم، فلو طَرَدَ هذا القياسَ الفاسد، وقال: "السَّفرُ مشقَّةٌ متحقِّقة، والكسبُ أمرٌ موهوم"، لتعطَّلت أسفارُ النَّاس بالكليَّة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015