فيقال: هذا حقٌّ، ولكن لا يلزمُ منه (?) أن لا تكون الشريعةُ والأمرُ والنهيُ معلومةَ الحُسْن عقلًا وشرعًا، ولا يلزمُ منه أيضًا عدمُ حُسْن التكليف عقلًا وشرعًا، فذِكرُكم هذا عديمُ الفائدة؛ فإنَّه لم يَقُل منازعوكم ولا غيرُهم: إنَّ الله سبحانه يتضرَّرُ بمعاصي العباد وينتفعُ بطاعاتهم، ولا إنه غيرُ قادرٍ على إيصال الإحسان إليهم بلا واسطة. ولكنَّ تركَ التكليف وتركَ العباد همَلًا كالأنعام لا يُؤمَرون ولا يُنهَون منافٍ لحكمته وحمده وكمال مُلكه وإلهيَّته، فيجبُ تنزيهه عنه، ومن نسَبه إليه فما قَدَرَه حقَّ قَدْره، وحكمتُه البالغةُ اقتضت الإنعامَ عليهم ابتداءً وبواسطة الإيمان، والواسطةُ من إنعامه عليهم أيضًا؛ فهو المُنْعِمُ بالوسيلة والغاية، وله الحمدُ والنِّعمةُ في هذا وهذا. يوضِّحُه:

الوجه الثالث والأربعون: وهو أنَّ إنعامَه عليه ابتداءً بالإيجاد وإعطاء الحياة والعقل والسَّمع والبصر والنِّعم التي سخَّرها له إنما فعَلها به لأجل عبادته إياه وشُكره له؛ كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وقال تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77]، وأصحُّ الأقوال في الآية أنَّ معناها: ما يصنعُ بكم وما يكترثُ بكم لولا عبادتُكم إياه (?)، فهو سبحانه لم يخلقكم إلا لعبادته.

فكيف يقالُ بعد هذا: إنَّ تكليفَه إياهم عبادتَه غيرُ حسنٍ في العقل، لأنه قادرٌ على الإنعام عليهم بالجزاء من غير توسُّط العبادة؟ !

طور بواسطة نورين ميديا © 2015