الوجه الثامن والثَّلاثون: قولكم: "الفعلان من حيث الصِّفات النفسيَّة واحدٌ، فكيف يقبُح أحدُهما من فاعلٍ ويحسُن الآخر من فاعل" (?).

فيقال: هذا في البطلان والفساد مِنْ جنس ما قبله وأبطَلُ، وهو بمنزلة أن يقال: القتلُ من المعتدي ومن المُقْتَضِّ من حيث الصفات النفسيَّة واحدٌ، فكيف يقبُح أحدُهما ويحسُن الآخر؟ ! (?)، وبمنزلة أن يقال: السُّجودُ لله والسُّجودُ للصَّنم واحدٌ من حيث الصِّفات النفسيَّة، فكيف يقبُح أحدُهما ويحسُن الآخر؟ ! وهل في الباطل أبطَلُ من هذا الوهم؟ !

فما جعَل الله ذلك واحدًا أصلًا، وليس إماتةُ الله لعبده مثلَ قتل المخلوق له، ولا إجاعتُه وإعراؤه وابتلاؤه مساويًا في الصِّفات النفسيَّة لفعل المخلوق بالمخلوق ذلك، ودعوى التَّساوي كذبٌ وباطل، فلا أعظمَ من التَّفاوت بينهما، وهل يستوي عند العقل والفطرة فعلُ الله وفعلُ المخلوق؟ !

فيا لله العَجب! إن تناولهما اسمُ الفعل المشترك صارا سواءً في الصِّفات النفسيَّة، أترى (?) حصل لهما هذا التَّساوي من جهة الفعلَيْن، والذي أوجبَ هذا الخيال الفاسد اتحادُ المحلِّ وتعلُّق الفعلَيْن به، وهل يدلُّ هذا على استواء الفعلَيْن في الصِّفات النفسيَّة؟ !

ولقد وَهَتْ أركانُ مسألةٍ بُنِيَت على هذا الشَّفا، فإنَّه شَفَا جُرُفٍ هار، والله المستعان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015