ولو خلَّى بينهم - كما زعمتم - لكانوا بمنزلة الأنعام السَّائمة، بل لو تركهم ودواعي طباعهم لأهلَك بعضُهم بعضًا، ولخَرِبَ العالمُ ومن عليه، بل ألجمهم لجامَ العجز والمنع من كلِّ ما يريدون، فلو أنه خلَّى بينهم وبين ما يريدون لفسَدت الخليقة، كما ألجمهم بلجام الشرع والأمر، ولو منَعهم جملةً ولم يمكِّنهم ولم يُقْدِرهم لتعطَّل الأمرُ والشرعُ جملة، وانتفت (?) حكمةُ البعثة والإرسال والثَّواب والعقاب.
فأيُّ حكمةٍ فوق هذه الحكمة؟ ! وأيُّ أمرٍ أحسنُ مما فعله بهم؟ !
ولو أعطى النَّاسُ هذا المقام بعض حقِّه لعلموا أنه مقتضى الحكمة البالغة، والقدرة التَّامَّة، والعلم المحيط، وأنه غايةُ الحكمة.
ومن فُتِحَ له بفهمٍ في القرآن رآه من أوَّله إلى آخره، ينبِّه العقولَ على هذا، ويرشدُها إليه، ويدلُّها عليه، وأنه يتعالى ويتنزَّه أن يكون هذا منه عبثًا، أو سُدًى، أو باطلًا، أو بغير الحقِّ، أو لا لمعنًى ولا لداعٍ وباعث، وأنَّ مصدَر ذاك جميعه عن عزَّته وحكمته.
ولهذا كثيرًا ما يَقْرِنُ تعالى بين هذين الاسمين (العزيز الحكيم) في آيات التَّشريع والتكوين والجزاء؛ ليَدُلَّ عبادَه على أنَّ مصدَر ذلك كلِّه عن حكمةٍ بالغة، وعزَّةٍ قاهرة (?).