والغاياتُ المطلوبةُ والعواقبُ المحمودةُ التي لأجلها أنزَل كتبَه، وأرسل رسلَه، وشرع شرائعَه، وخلَق الجنةَ والنَّار، ووضعَ الثَّوابَ والعقاب، لا تحصُل (?) إلا بإقدار العبادِ على الخير والشرِّ، وتمكينهم من ذلك، وإعطائهم (?) الأسبابَ والآلات التي يتمكَّنون بها مِنْ فعل هذا وهذا.

فلهذا حَسُنَ منه تبارك وتعالى التَّخلِيةُ بين عباده وبين ما هم فاعِلُوه، وقَبُحَ من أحدنا أن يخلِّيَ بين عبيده وبين الإفساد وهو قادرٌ على منعهم، هذا مع أنه سبحانه لم يخلِّ بينهم، بل مَنَعَهم منه، وحرَّمه عليهم، ونَصَبَ لهم العقوبات الدُّنيوية والأخروية على القبائح، وأحلَّ بهم مِنْ بأسه وعذابه وانتقامه (?) ما لا يفعلُه السيِّدُ من المخلوقين بعبيده ليمنعَهم ويزجُرهم.

فقولكم: "إنه خلَّى بين عباده وبين إفساد بعضهم بعضًا وظُلم بعضهم بعضًا" كذبٌ عليه، فإنَّه لم يخلِّ بينهم شرعًا ولا قَدَرًا، بل حالَ بينهم وبين ذلك شرعًا أتمَّ حَيْلُولة، ومَنَعَهم قَدَرًا بحسب ما تقتضيه حكمتُه الباهرةُ وعلمُه المحيط، وخلَّى بينهم وبين ذلك بحسب ما تقتضيه حكمتُه وشرعُه ودينُه.

فمنعُه سبحانه لهم وحيلولتُه بينهم وبين الشرِّ أعظمُ من تخلِيَته، والقَدْرُ الذي خلَّاه بينهم في ذلك هو ملزومُ أمره وشرعه ودينه؛ فالذي فعَله في الطَّرفين غايةُ الحكمة والمصلحة، ولا نهاية فوقه لاقتراح عقل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015