والنفس والعدوِّ، إذ تعبدونني أنتم من غير مُعارِضٍ يعارضُكم، ولا شهوةٍ تعتريكم، ولا عدوٍّ أسلِّطه (?) عليكم، بل عبادتكم لي بمنزلة النَّفَس لأحدهم.

* وأيضًا؛ فإني أريدُ أن أُظْهِرَ ما خفي عليكم من شأن عدوِّي ومحاربته لي، وتكبُّره عن أمري، وسعيه في خلاف مرضاتي.

وهذا وهذا كانا كامنَين مستترَين في أبي البشر وأبي الجنِّ، فأنزَلهم إلى دارٍ ظَهَر فيها (?) ما كان الله سبحانه منفردًا بعلمه لا يعلمُه سواه، وظهرت حكمتُه وتمَّ أمرُه، وبدا للملائكة مِنْ علمه ما لم يكونوا يعلمون.

* وأيضًا؛ فإنه سبحانه لما كان يحبُّ الصَّابرين، ويحبُّ المحسنين، ويحبُّ الذين يقاتلون في سبيله صفًّا كأنهم بنيانٌ مرصوص، ويحبُّ التوابين، ويحبُّ المتطهِّرين، ويحبُّ الشاكرين، وكانت محبته أعلى أنواع الكرامات = اقتضت حكمتُه أن أسكَنَ آدمَ وبنيه دارًا يأتون فيها بهذه الصِّفات التي ينالون بها أعلى الكرامات من محبَّته؛ فكان إنزالُهم إلى الأرض من أعظم النعم عليهم، والله يختصُّ برحمته من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

* وأيضًا؛ فإنه سبحانه أراد أن يتَّخذ من آدمَ ذريةً يواليهم ويودُّهَم، ويحبُّهم ويحبُّونه؛ فمحبتُهم له هي غايةُ كمالهم ونهايةُ شرفهم، ولم تكن لتتحقَّق (?) هذه المرتبةُ السَّنيةُ إلا بموافقة رضاه واتباع أمره، وتركِ إرادات النفس وشهواتها التي يكرهها محبوبُهم؛ فأنزلهم دارًا أمَرهم فيها ونهاهم؛ فقاموا بأمره ونهيه؛ فنالوا درجة محبَّتهم له؛ فأنالَهم درجةَ حبِّه إياهم، وهذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015