والإساءة؟ !

بل هذا المثال نفسُه حجَّةٌ عليكم، فإنه لم يَمِل طبعُه إلى ذلك المكان مع مساواته لجميع الأمكنة عنده، وكذلك حنينُه إلى وطنه ومحبتُه له، وكذلك حنينُه إلى إلْفِه من النَّاس وغيرهم؛ فإنَّ هذا لا يقعُ منه مع تساوي تلك الأماكن والأشخاص عنده، بل لظنِّه اختصاصَها بأمورٍ لا توجدُ في سواها، فتَرتَبَ ذلك الحبُّ والميلُ على هذا الظَّنِّ.

ثمَّ له حالان:

أحدهما: أن لا يكون كما ظنَّه (?)، بل ذلك المكانُ أو الشخصُ مُساو لغيره، وربَّما يكون غيرُه أكملَ منه في الأوصاف التي تقتضي حبَّه والميلَ إليه، فهذا إذا سُلِّط العقلُ والحسُّ (?) على سبب مَيْله وحبِّه عُلِمَ أنه مجرَّدُ إلفٍ أو عادةٍ أو تذكُّرٍ أو تخيُّل.

وهذا الوهمُ مستنِدٌ إلى ما تقرَّر في العقل من أنَّ اختصاصَ الحبِّ والميل بالشيء دونَ غيره لِمَا اختصَّ به من الصِّفات التي اقتضت ذلك، وكذلك تعلُّق النَّفرة والبغض به، ثمَّ يَغْلِبُ الوهمُ حتَّى يتخيَّل تلك الصِّفات ثابتة (?) في المحلِّ، وليست فيه، بل يكونُ المحلُّ مقارِنًا تلك الصِّفات (?)،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015