وما مثَلكم في ذلك إلا كمثَل من قال: إنَّ تناول الأطعمة والأغذية والأدوية ليس حَسَنًا لذاته، فإنه يقترنُ بتناولها مِنْ لَذْعَة المِرَّة لفم المعدة (?) ما يوجبُ نزوعَها إلى طلب الغذاء لقيام البِنية، وكذلك الأدويةُ وغيرها.

ومعلومٌ أنَّ هذه البواعثَ والدَّواعي وأسبابَ الميول لا تنافي الاقتضاءَ الذَّاتيَّ وقيامَ الصِّفات التي تقتضي الانتفاعَ بها، فكذلك تلك البواعثُ والدَّواعي وأسبابُ الميول التي تحصل لفاعل الإحسان، ومُنْقِذ الغريق والحريق، ومُنْجِي الهالك، لا تنافي ما عليه هذه الأفعالُ في ذواتها من الصِّفات التي تقتضي حُسْنَها وقُبْحَ أضدادها.

الوجه الخامس والعشرون: قولكم: "إنه يقدِّرُ نفسَه في تلك الحال، ويقدِّرُ غيرَه مُعْرِضًا عن الإنقاذ، فيستقبحُه منه، لمخالفته غرضَه، فيَدْفَعُ عن نفسه ذلك القُبْحَ المتوهَّم" (?).

فيقال: هذا القُبح المتوهَّمُ إنما نَشَأ عن القُبح المتحقِّق في ترك الإحسان إليه مع قدرته عليه وعدم تضرُّره به، فالقُبح محقَّقٌ في ترك إنقاذه، ومتوهَّمٌ في تصويره نفسَه بتلك الحال وعدم إنقاذ غيره له، فلولا تلك الحقيقةُ لم يحكُم العقلُ بهذا القُبح الموهوم، وكونُ الإنقاذ موافقًا للغَرض وتركُه مخالفًا له لا ينفي أن يكون في ذاته حَسَنًا وقبيحًا، وإنما (?) وافقَ الغَرض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015