لأنَّ هذا احتجاجٌ بعقول أهل الشرك الفاسدة التي عابها اللهُ وشَهِدَ عليهم بأنهم لا يعقلون، وشَهِدُوا على أنفسهم بأنهم لو كانوا يسمعون أو يعقلون ما كانوا في أصحاب السَّعير.
وهل يقال: إنَّ استحسانَ عبادة الأصنام بعقولهم، واستحسانَ التَّثليث والسُّجود للقمر وعبادة النَّار وتعظيم الصَّليب، يدلُّ على حُسْنها؛ لاستحسان بعض العقلاء لها؟ !
فإن قيل: فهذا حجَّةٌ عليكم؛ فإنَّ عقول هؤلاء قد قضت بحُسنها، وهي أقبحُ القبائح.
قيل: ما مثَلنا ومثَلكم في ذلك إلا كمثَل من قال: إذا كان الأحولُ يرى القمرَ اثنين لم يَبْق لنا وثوقٌ برؤية الصحيح العينَين له واحدًا، وإن كان المَحرورُ (?) يجدُ طعمَ الماء العَذب والعسل مُرًّا لم يَبْق لنا وثوقٌ (?) بكون صحيح الفم يذوقُه عذبًا وحُلوًا، وإذا كان صاحبُ الفهم السَّقيم يعيبُ القولَ الصَّحيح ويشهدُ ببطلانه لم يَبْق لنا وثوقٌ بشهادة صاحب الفهم المستقيم بصحَّته، إلى أمثال ذلك.
فإذا كانت فطرةُ أمَّة من الأمم وشِرذمةٍ من النَّاس وعقولُهم قد فَسَدَت، فهل يلزمُ من هذا إبطالُ شهادة العقول السَّليمة والفِطر المستقيمة؟ !
ولو صحَّ لكم هذا الاعتراض لبَطَل استدلالكم على كلِّ منازعٍ لكم في كلِّ مسألة؛ فإنه عاقلٌ وقد شَهِد عقلُه بها بخلاف قولكم!