فَعُقْبَى كَلِّ شَيءٍ نَحْنُ فِيِهِ ... مِن الْجَمْع الكثيفِ إِلَى شَتَاتِ

وَمَا حُزْنَاهُ مِن حِلِّ وَحُرْمٍ ... يُوَزَّعُ فِي البَنِيْنِ وَفِي البَنَاتِ

وَفِيْمَنْ لَمْ نَؤَهِّلْهُمْ بِفَلسٍ ... وقِيْمَةِ حَبّةٍ قَبْلَ الْمَمَاتِ

وَتَنْسَانَا الأَحِبَّةُ بَعْدَ عَشْر ... وَقَد صِرْنَا عِظامًا بَالِيَاتِ

كَأَنَّا لَمْ نُعَاشِرهُم بِوُدِّ ... وَلَمْ يَكُ فيهِمُ خِلِّ مُؤاتِ

والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وسلم.

(فصل)

واعلم رحمك الله أن مما يعنيك على الفكرة في الموت ويفرغك له ويكثر اشتغال فكرك به تذكر من مضى من إخوانك وخلانك وأصحابك وأقرانك وزملائك وأساتذتك ومشايخك الذين مضوا قبلك وتقدموا أمامك.

كانوا يحرصون حرصك ويسعون سعيك، ويأملون أملك، ويعملون في هذه الدنيا عملك وقصت المنون أعناقهم وقصمت ظهورهم وأصلابهم، وفجعت فيهم أهليهم وأحباءهم وأقرباءهم وجيرانهم فأصبحوا آية للمتوسمين وعبرة للمعتبرين.

ويتذكر أيضًا ما كانوا عليه من الاعتناء بالملابس ونظافتها ونضرة بشرتهم، وما كانوا يسحبونه من أردية الشباب وأنهم كانوا في نعيم يتقلبون، وعلى الأسرة يتكئون، وبما شاءوا من محابهم يتنعمون.

وفي أمانيهم يقومون ويقعدون، لا يفكرون بالزوال، ولا يهمون بانتقال، ولا يخطر الموت لهم على بال، قد خدعتهم الدنيا بزخارفها، وخلبتهم وخدعتهم برونقها، وحدثتهم بأحاديثها الكاذبة، ووعدتهم بمواعيدها المخلفة الغرارة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015