وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ فَلَهُ الْقَبُولُ.
وَيُنْدَبُ الطَّلَبُ إنْ كَانَ خَامِلًا يَرْجُو بِهِ نَشْرَ الْعِلْمِ أَوْ مُحْتَاجًا إلَى الرِّزْقِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ قَوْلُهُ يَتَوَلَّاهُ تَخْصِيصُ الْخِلَافِ بِرِضَاهُ بِالتَّوْلِيَةِ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهَا فَكَالْعَدِمِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا حَيْثُ لَا عُذْرَ، فَإِنْ كَانَ لِكَوْنِ الْمَفْضُولِ أَطْوَعَ فِي النَّاسِ أَوْ أَقْرَبَ لِلْقُلُوبِ، أَوْ كَانَ الْأَفْضَلُ غَائِبًا أَوْ مَرِيضًا انْعَقَدَ لِلْمَفْضُولِ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَإِنْ كَانَ) غَيْرُهُ (مِثْلَهُ) وَسُئِلَ بِلَا طَلَبٍ (فَلَهُ الْقَبُولُ) لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقُومُ بِهِ غَيْرُهُ، وَقَدْ امْتَنَعَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمَّا سَأَلَهُ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقَضَاءَ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَعُرِضَ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ مَنْصُورٍ النَّيْسَابُورِيِّ قَضَاءُ نَيْسَابُورَ، فَاخْتَفَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَوَرَدَ كِتَابُ السُّلْطَانِ بِتَوْلِيَةِ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ عَشِيَّةَ قَضَاءِ الْبَصْرَةِ، فَقَالَ: أُشَاوِرُ نَفْسِي اللَّيْلَةَ وَأُخْبِرُكُمْ غَدًا، وَأَتَوْا عَلَيْهِ مِنْ الْغَدِ فَوَجَدُوهُ مَيِّتًا، وَقَالَ مَكْحُولٌ: لَوْ خُيِّرْت بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْقَتْلِ اخْتَرْت الْقَتْلَ وَامْتَنَعَ مِنْهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا اسْتَدْعَاهُ الْمَأْمُونُ لِقَضَاءِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، وَامْتَنَعَ مِنْهُ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا اسْتَدْعَاهُ الْمَنْصُورُ فَحَبَسَهُ وَضَرَبَهُ، وَحَكَى الْقَاضِي الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْوَزِيرَ ابْنَ الْفُرَاتِ طَلَبَ أَبَا عَلِيِّ بْنَ خَيْرَانَ لِتَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ فَهَرَبَ مِنْهُ فَخَتَمَ عَلَى دُورِهِ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ يَوْمًا كَمَا قِيلَ فِيهِ:
وَطَيَّنُوا الْبَابَ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ ... عِشْرِينَ يَوْمًا لِيَلِيَ فَمَا وَلِي
وَقَالَ بَعْضُ الْقُضَاةِ:
وَلَيْت الْقَضَاءَ وَلَيْتَ الْقَضَاءَ ... لَمْ يَكُ شَيْئًا تَوَلَّيْته
فَأَوْقَفَنِي فِي الْقَضَاءِ الْقَضَاءُ ... وَمَا كُنْت قِدْمًا تَمَنَّيْته
وَقَالَ آخَرُ:
فَيَا لَيْتَنِي لَمْ أَكُنْ قَاضِيًا ... وَيَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَة
تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلَهُ الْقَبُولُ يَقْتَضِي جَوَازَهُ وَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ اتِّبَاعَ الْهَوَى، وَقَالَ الْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَحْتَرِزَ، فَإِنَّ أَهَمَّ الْغَنَائِمِ حَفِظَ السَّلَامَةَ اهـ. وَقَضِيَّتُهُ مَنْعُ الْإِقْدَامِ حِينَئِذٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ، بَلْ قَطَعَ فِي الذَّخَائِرِ بِوُجُوبِ الِامْتِنَاعِ.
(وَيُنْدَبُ) لَهُ (الطَّلَبُ) لِلْقَضَاءِ (إنْ كَانَ خَامِلًا) أَيْ غَيْرَ مَشْهُورٍ بَيْنَ النَّاسِ (يَرْجُو بِهِ) أَيْ الْقَضَاءِ (نَشْرَ الْعِلْمِ) لِتَحْصُلَ الْمَنْفَعَةُ بِنَشْرِهِ إذَا عَرَفَهُ النَّاسُ (أَوْ) لَمْ يَكُنْ خَامِلًا، لَكِنْ كَانَ (مُحْتَاجًا إلَى الرِّزْقِ) فَإِذَا وُلِّيَ حَصَلَ لَهُ كِفَايَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِسَبَبٍ هُوَ طَاعَةٌ لِمَا فِي الْعَدْلِ مِنْ جَزِيلِ الثَّوَابِ، وَفِي هَذَا إشْعَارٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الرِّزْقِ عَلَى الْقَضَاءِ، وَسَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: يُنْدَبُ الطَّلَبُ أَيْضًا إذَا كَانَتْ الْحُقُوقُ مُضَاعَةً لِجَوْرٍ أَوْ عَجْزٍ، أَوْ فَسَدَتْ الْأَحْكَامُ