وَكُلُّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَقِيلَ وَاجِبٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُ تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ بِالْأَدَاءِ وَحَوَالَةٌ عَلَيْهِ وَأَنْ يَضْمَنَهَا قُلْتُ: هَذِهِ الْهَيْئَةُ بَاطِلَةٌ وَدَعْوَى اسْتِحْبَابِهَا أَشَدُّ خَطَأً. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيُسْتَحَبُّ
لِلْإِمَامِ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِمْ إذَا صُولِحُوا فِي بَلَدِهِمْ ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأُذُنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ فَسَّرَ الصَّغَارَ فِي الْآيَةِ بِهَذَا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَضْرِبُ كُلَّ لِهْزِمَةٍ ضَرْبَةً وَهُوَ كَذَلِكَ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكْفِيَ الضَّرْبُ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ يَضْرِبُهُ بِالْكَفِّ مَفْتُوحًا. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: وَيَقُولُ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَدِّ حَقَّ اللَّهِ (وَكُلُّهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ هَذِهِ الْهَيْئَةِ (مُسْتَحَبٌّ) لِسُقُوطِهِ بِتَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَقِيلَ وَاجِبٌ) لِيَحْصُلَ الصَّغَارُ الْمَذْكُورُ (فَعَلَى الْأَوَّلِ) وَهُوَ الِاسْتِحْبَابُ (لَهُ) أَيْ الذِّمِّيِّ (تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ بِالْأَدَاءِ) لِلْجِزْيَةِ (وَ) لَهُ (حَوَالَةٌ) بِهَا (عَلَيْهِ، وَأَنْ يَضْمَنَهَا) ؛ لِأَنَّ الصَّغَارَ حَاصِلٌ بِالْتِزَامِهِ الْمَالَ وَانْقِيَادِهِ لِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُ بِخِلَافِهِ عَلَى الثَّانِي، وَهُوَ الْوُجُوبُ فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: مُسْلِمٌ قَدْ يُفْهِمُ صِحَّةَ تَوْكِيلِ الذِّمِّيِّ بِهِ قَطْعًا، وَنَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ طَرْدُ الْخِلَافِ فِيهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَقْصُودٌ بِالصَّغَارِ وَأَقَرَّاهُ، فَلَوْ حَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لَشَمِلَ ذَلِكَ، وَاحْتُرِزَ بِالْأَدَاءِ عَنْ تَوْكِيلِهِ فِي عَقْدِ الْجِزْيَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الصَّغَارَ يُرَاعَى عِنْدَ الْأَدَاءِ، لَا عِنْدَ الْعَقْدِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا فِيمَا يُؤَدَّى بِاسْمِ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ كَانَ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ سَقَطَتْ الْإِهَانَةُ قَطْعًا (قُلْتُ: هَذِهِ الْهَيْئَةُ) الْمَذْكُورَةُ فِي الْمُحَرَّرِ (بَاطِلَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا لَا أَصْلَ لَهَا مِنْ السُّنَّةِ، وَلَا نُقِلَ عَنْ فِعْلِ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ (وَ) حِينَئِذٍ (دَعْوَى اسْتِحْبَابِهَا أَشَدُّ خَطَأً) مِنْ دَعْوَى جَوَازِهَا، وَدَعْوَى وُجُوبِهَا أَشَدُّ خَطَأً مِنْ دَعْوَى اسْتِحْبَابِهَا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ: أَشَدُّ بُطْلَانًا لِيُطَابِقَ قَوْلَهُ: بَاطِلَةٌ. قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْبَاطِلَةِ الْخَطَأَ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا طَائِفَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ. وَقَالَ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ: تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ بِرِفْقٍ كَأَخْذِ الدُّيُونِ. اهـ.
قَالَ الشَّارِحُ: وَفِيهِ تَحَمُّلٌ عَلَى الذَّاكِرِينَ لَهَا، وَلِلْخِلَافِ فِيهَا الْمُسْتَنِدِ إلَى تَفْسِيرِ الصَّغَارِ فِي الْآيَةِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهَا الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ؟ . وَقَضِيَّةُ كَوْنِهَا كَسَائِرِ الدُّيُونِ التَّحْرِيمُ. اهـ.
وَتَصْرِيحُ الْمُصَنِّفِ بِالْبُطْلَانِ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَيَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ أَنْ يَجْبِيَ الْجِزْيَةَ وَعُشْرَ التِّجَارَةِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ (وَيُسْتَحَبُّ) وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْجُمْهُورِ الْجَوَازُ.
(لِلْإِمَامِ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَشْرِطَ) بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ (عَلَيْهِمْ) أَيْ الْكُفَّارِ (إذَا صُولِحُوا فِي بَلَدِهِمْ ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَارُّ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ، أَوْ كَانَ غَنِيًّا. لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَ أَهْلَ أَيْلَةَ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ، وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ، وَعَلَى ضِيَافَةِ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» ، وَلِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً ظَاهِرَةً لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلِأَغْنِيَائِهِمْ، فَإِنَّهُمْ قَدْ لَا يَبِيعُونَ مِنْهُمْ إذَا مَرُّوا بِهِمْ فَيَتَضَرَّرُونَ، فَإِذَا عَلِمُوا أَنَّ ضِيَافَتَهُمْ عَلَيْهِمْ وَاجِبَةٌ بَادَرُوا إلَى الْبَيْعِ خَوْفًا مِنْ نُزُولِهِمْ عِنْدَهُمْ.