وَعَلَى السَّارِقِ رَدُّ مَا سَرَقَ، فَإِنْ تَلِفَ ضَمِنَهُ
وَتُقْطَعُ يَمِينُهُ. فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا بَعْدَ قَطْعِهَا فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى، وَثَالِثًا يَدُهُ الْيُسْرَى، وَرَابِعًا رِجْلُهُ الْيُمْنَى،
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الِاخْتِلَافَ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَادِحُ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: سَرَقَ كِيسًا، وَقَالَ الْآخَرُ: كِيسَيْنِ، ثَبَتَ الْوَاحِدُ وَتَعَلَّقَ بِهِ الْقَطْعُ إنْ كَانَ نِصَابًا، وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِسَرِقَةٍ وَاثْنَانِ بِسَرِقَةٍ فَإِنْ لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ ثَبَتَ الْقَطْعُ وَالْمَالَانِ، وَإِنْ تَوَارَدَا عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ كَأَنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ سَرَقَ كَذَا غَدْوَةٌ، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ سَرَقَهُ عَشِيَّةً تَعَارَضَتَا فَلَا يُحْكَمُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ شَهِدَ لَهُ وَاحِدٌ بِسَرِقَةِ ثَوْبٍ أَبْيَضَ وَآخَرُ بِأَسْوَدَ فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ أَحَدِهِمَا، وَلَهُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَدَّعِيَ الثَّوْبَ الْآخَرَ وَيَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَاسْتَحَقَّهُمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَلَا يُقَالُ: تَعَارَضَتْ شَهَادَتُهُمَا، لِأَنَّ الْحُجَّةَ لَمْ تَتِمَّ، وَلَا قَطْعَ لِاخْتِلَافِ شَهَادَتِهِمَا.
(وَعَلَى السَّارِقِ رَدُّ مَا سَرَقَ) إنْ بَقِيَ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ قُطِعَ لَمْ يَغْرَمْ، وَإِنْ غَرِمَ لَهُ لَمْ يُقْطَعْ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا.
لَنَا أَنَّ الْقَطْعَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالضَّمَانَ لِآدَمِيٍّ فَلَا يَمْنَعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَا يَمْنَعُ الْفَقْرُ إسْقَاطَ مَالِ الْغَيْرِ.
وَلَوْ كَانَ لِلْمَسْرُوقِ مَنْفَعَةٌ اسْتَوْفَاهَا السَّارِقُ أَوْ عَطَّلَهَا وَجَبَتْ أُجْرَتُهَا كَالْمَغْصُوبِ.
وَلَوْ أَعَادَ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ إلَى الْحِرْزِ لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ وَلَا الضَّمَانُ عَنْهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَسْقُطَانِ. وَعَنْ مَالِكٍ لَا ضَمَانَ وَيُقْطَعُ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَلَوْ قِيلَ بِالْعَكْسِ لَكَانَ مَذْهَبًا لِدَرْءِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ (فَإِنْ تَلِفَ ضَمِنَهُ) بِبَدَلِهِ جَبْرًا لِمَا فَاتَ.
(وَتُقْطَعُ يَمِينُهُ) أَيْ يَدُهُ الْيُمْنَى أَوَّلًا وَإِنْ كَانَ أَعْسَرَ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقَطَعَ يَمِينَهُ» ، وَكَذَا فَعَلَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَقَالَ تَعَالَى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَقُرِئَ شَاذًّا: فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا، وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الِاحْتِجَاجِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِهَا، فَقَلَّدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ فَجَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِهِ: «شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى» . قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: فَاحْذَرْ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قُطِعَتْ يَدُ السَّارِقِ وَلَمْ يُقْطَعْ ذَكَرُ الزَّانِي؟ .
أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِجَوَابَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْيَدَ لِلسَّارِقِ مِثْلُهَا غَالِبًا فَلَمْ تَفُتْ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ بِالْكُلِّيَّةِ. الثَّانِي: أَنَّ فِي قَطْعِ الذَّكَرِ إبْطَالُ النَّسْلِ غَالِبًا، وَالْحِكْمَةُ فِي قَطْعِ الْيُمْنَى أَوَّلًا أَنَّ الْبَطْشَ بِهَا أَقْوَى غَالِبًا فَكَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِهَا أَرْدَعُ.
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ قَطْعِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ شَلَّاءَ وَإِلَّا رُوجِعَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ قَالُوا: يَنْقَطِعُ الدَّمُ وَتُسَدُّ أَفْوَاهُ الْعُرُوقِ قُطِعَتْ وَاكْتُفِيَ بِهَا، وَإِلَّا لَمْ تُقْطَعْ. لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ الرُّوحِ (فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا بَعْدَ قَطْعِهَا) أَيْ: يَدِهِ الْيُمْنَى (فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى) تُقْطَعُ إنْ بَرِئَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى، وَإِلَّا أُخِّرَتْ لِلْبُرْءِ (وَ) إنْ سَرَقَ (ثَالِثًا) بَعْدَ قَطْعِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى تُقْطَعُ (يَدُهُ الْيُسْرَى وَ) إنْ سَرَقَ (رَابِعًا) بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ الْيُسْرَى تُقْطَعُ (رِجْلُهُ الْيُمْنَى) لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -