وَلَوْ أَعَانَهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ عَالِمِينَ بِتَحْرِيمِ قِتَالِنَا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ، أَوْ مُكْرَهِينَ فَلَا، وَكَذَا إنْ قَالُوا ظَنَنَّا جَوَازَهُ أَوْ أَنَّهُمْ مُحِقُّونَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيُقَاتَلُونَ كَبُغَاةٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَيْهِمْ، فَإِنْ اسْتَعَانُوا بِهِمْ عَلَيْنَا بَعْدَ ذَلِكَ وَقَاتَلُونَا انْتَقَضَ أَمَانُهُمْ حِينَئِذٍ فِي حَقِّنَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَالْقِيَاسُ انْتِقَاضُهُ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا.
تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ عَطْفُهُ آمَنُوهُمْ عَلَى الِاسْتِعَانَةِ بِأَنَّهَا غَيْرُهَا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي، وَاحْتَرَزَ بِأَهْلِ حَرْبٍ عَمَّا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (وَلَوْ أَعَانَهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ) مُخْتَارِينَ (عَالِمِينَ بِتَحْرِيمِ قِتَالِنَا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ) بِذَلِكَ كَمَا لَوْ انْفَرَدُوا بِالْقِتَالِ فَصَارَ حُكْمُهُمْ حُكْمَ أَهْلِ الْحَرْبِ فَيُقْتَلُونَ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ انْتِقَاضُ عَهْدِهِمْ مُطْلَقًا حَتَّى فِي حَقِّ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْبَيَانِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي انْتِقَاضِهِ الْخِلَافُ فِي أَمَانِ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَلَوْ أَتْلَفُوا شَيْئًا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْقِتَالِ لَمْ يَضْمَنُوهُ (أَوْ مُكْرَهِينَ فَلَا) يَنْتَقِضُ عَهْدُهُمْ لِشُبْهَةِ الْإِكْرَاهِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِقَوْلِهِمْ: إنَّهُمْ مُكْرَهُونَ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ، وَإِنْ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَنْدَنِيجِيّ: إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ كَوْنِهِمْ مُكْرَهِينَ عِنْدَ الْإِمَامِ، هَذَا فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ. وَأَمَّا أَهْلُ الْعَهْدِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُمْ الْإِكْرَاهَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ أَمَانَ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَقْوَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ خَافَ الْإِمَامُ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ الْخِيَانَةَ نَبَذَ إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَاحْتَرَزَ بِعَالِمِينَ عَمَّا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (وَكَذَا إنْ قَالُوا ظَنَنَّا جَوَازَهُ) أَيْ إنَّهُ يَجُوزُ لَنَا إعَانَةُ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَعْضٍ، أَوْ ظَنَنَّا أَنَّهُمْ يَسْتَعِينُونَ بِنَا عَلَى قِتَالِ كُفَّارٍ، وَأَمْكَنَ صِدْقُهُمْ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبَسِيطِ، فَلَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُمْ بِالظَّنِّ الْمَذْكُورِ (أَوْ) ظَنَنَّا (أَنَّهُمْ مُحِقُّونَ) فِيمَا فَعَلُوهُ، وَإِنَّ لَنَا إعَانَةَ الْمُحِقِّ فَلَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُمْ أَيْضًا (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِمُوَافَقَتِهِمْ طَائِفَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَ عُذْرِهِمْ، وَلَا بُدَّ فِي دَعْوَاهُمْ الْجَهْلَ مِنْ إمْكَانِ صِدْقِهِمْ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ، وَزَادَ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَإِنَّهُمْ مُحِقُّونَ، وَإِنَّ لَهُمْ إعَانَةَ الْمُحِقِّ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُمْ قِتَالُ الْمُحِقِّينَ وَلَا الْمُبْطِلِينَ، وَنَاقَشَ الْوَجِيزُ بِتَرْكِ ذَلِكَ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ كَمَا هُنَا، وَقَدْ قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، وَفِي قَوْلِهِ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ، وَلَوْ ادَّعَوْا ذَلِكَ كَمَا لَوْ اسْتَقَلُّوا بِالْقِتَالِ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِكَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمُكْرَهَ لَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ فِيهِ الطَّرِيقَانِ، فَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِعِبَارَةٍ وَاحِدَةٍ لَكَانَ أَوْلَى.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِمْ الْإِمَامُ تَرْكَ الْقِتَالِ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ وَإِلَّا فَيَنْتَقِضُ قَطْعًا، وَلَوْ قَاتَلَ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَهْلَ الْبَغْيِ لَمْ يَنْتَقِضْ عَهْدُهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُمْ حَارَبُوا مَنْ يَلْزَمُ الْإِمَامَ مُحَارَبَتُهُ (وَيُقَاتَلُونَ) حَيْثُ قُلْنَا بِعَدَمِ انْتِقَاضِ عَهْدِهِمْ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ (كَبُغَاةٍ) أَيْ