وَلَا يُسْتَعَانُ عَلَيْهِمْ بِكَافِرٍ، وَلَا بِمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ، وَلَوْ اسْتَعَانُوا عَلَيْنَا بِأَهْلِ حَرْبٍ وَآمَنُوهُمْ لَمْ يَنْفُذْ أَمَانُهُمْ عَلَيْنَا، وَنَفَذَ عَلَيْهِمْ فِي الْأَصَحِّ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: لَوْ تَحَصَّنُوا بِبَلَدٍ أَوْ قَلْعَةٍ وَلَمْ يَتَأَتَّ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِمْ إلَّا بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ لِمَا مَرَّ، وَلِأَنَّ تَرْكَ بَلْدَةٍ أَوْ قَلْعَةٍ بِأَيْدِي طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُتَوَقَّعُ الِاحْتِيَالُ فِي فَتْحِهَا أَقْرَبُ إلَى الصَّلَاحِ مِنْ اسْتِئْصَالِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ حِصَارُهُمْ بِمَنْعِ طَعَامٍ وَشَرَابٍ إلَّا عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فِي أَهْلِ قَلْعَةٍ، وَلَا يَجُوزُ عَقْرُ خُيُولِهِمْ إلَّا إذَا قَاتَلُوا عَلَيْهَا، وَلَا قَطْعُ أَشْجَارِهِمْ وَزُرُوعِهِمْ، وَيَلْزَمُ الْوَاحِدَ كَمَا قَالَ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ مُصَابَرَةُ اثْنَيْنِ مِنْ الْبُغَاةِ، كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَصْبِرَ لِكَافِرَيْنِ فَلَا يُوَلِّيَ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: يُكْرَهُ لِلْعَادِلِ أَنْ يَعْتَمِدَ قَتْلَ ذِي رَحِمِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَحُكْمُ دَارِ الْبَغْيِ حُكْمُ دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا جَرَى فِيهَا مَا يُوجِبُ إقَامَةَ حَدٍّ أَقَامَهُ الْإِمَامُ إذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا، وَلَوْ سَبَى الْمُشْرِكُونَ طَائِفَةً مِنْ الْبُغَاةِ وَقَدَرَ أَهْلُ الْعَدْلِ عَلَى اسْتِنْقَاذِهِمْ لَزِمَهُمْ ذَلِكَ.
(وَلَا يُسْتَعَانُ عَلَيْهِمْ) فِي قِتَالٍ (بِكَافِرٍ) ذِمِّيٍّ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ تَسْلِيطُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِمُسْتَحِقِّ الْقِصَاصِ مِنْ مُسْلِمٍ أَنْ يُوَكِّلَ كَافِرًا فِي اسْتِيفَائِهِ، وَلَا لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَّخِذَ جَلَّادًا كَافِرًا لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَوْ دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ لَكِنَّهُ فِي التَّتِمَّةِ صَرَّحَ بِجَوَازِ الِاسْتِعَانَةِ بِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ الْمُتَّجَهُ (وَلَا) يُسْتَعَانُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا (بِمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ) حَالَ كَوْنِهِمْ (مُدْبِرِينَ) لِعَدَاوَةٍ أَوْ اعْتِقَادٍ كَالْحَنَفِيِّ إبْقَاءً عَلَيْهِمْ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَوَازِ اسْتِخْلَافِ الشَّافِعِيِّ الْحَنَفِيَّ وَنَحْوِهِ بِأَنَّ الْخَلِيفَةَ يَنْفَرِدُ بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ، وَالْمَذْكُورُونَ هُنَا تَحْتَ رَأْيِ الْإِمَامِ فَفِعْلُهُمْ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا بِخِلَافِ اجْتِهَادِهِ، وَيُسْتَثْنَى مَا إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ. قَالَ الشَّيْخَانِ: فَيَجُوزُ بِشَرْطَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ حُسْنَ إقْدَامٍ وَجَرَاءَةً. الثَّانِي أَنْ يُمْكِنَ دَفْعُهُمْ عَنْهُمْ لَوْ اتَّبَعُوهُمْ بَعْدَ انْهِزَامِهِمْ. زَادَ الْمَاوَرْدِيُّ شَرْطًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَتْبَعُوا مُدْبِرًا وَلَا يَقْتُلُوا جَرِيحًا وَأَنْ يَثِقَ بِوَفَائِهِمْ بِذَلِكَ (وَلَوْ اسْتَعَانُوا عَلَيْنَا بِأَهْلِ حَرْبٍ وَآمَنُوهُمْ) بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ، وَقَصْرُهَا مَعَ تَشْدِيدِ الْمِيمِ لَحْنٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَكِّيٍّ: أَيْ عَقَدُوا لَهُمْ أَمَانًا لِيُعِينُوهُمْ عَلَيْنَا (لَمْ يَنْفُذْ) بِالْمُعْجَمَةِ (أَمَانُهُمْ عَلَيْنَا) لِأَنَّ الْأَمَانَ لِتَرْكِ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَى شَرْطِ قِتَالِهِمْ، وَحِينَئِذٍ فَلَنَا غُنْمُ أَمْوَالِهِمْ وَاسْتِرْقَاقُهُمْ وَقَتْلُ أَسِيرِهِمْ وَقَتْلُهُمْ مُدْبِرِينَ وَتَذْفِيفُ جَرِيحِهِمْ، نَعَمْ لَوْ قَالُوا: ظَنَنَّا أَنَّهُ يَجُوزُ لَنَا إعَانَةُ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، أَوْ أَنَّهُمْ الْمُحِقُّونَ وَلَنَا إعَانَةُ الْمُحِقِّ، أَوْ أَنَّهُمْ اسْتَعَانُوا بِنَا عَلَى كُفَّارٍ وَأَمْكَنَ صِدْقُهُمْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ الْآتِي فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ بَلَّغْنَاهُمْ الْمَأْمَنَ وَأَجْرَيْنَا عَلَيْهِمْ حُكْمَ الْبُغَاةِ فَلَا نَسْتَبِيحُهُمْ لِلْأَمَانِ مَعَ عُذْرِهِمْ (وَنَفَذَ عَلَيْهِمْ) أَمَانُهُمْ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُمْ آمَنُوهُمْ وَأَمِنُوا مِنْهُمْ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ أَمَانٌ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ. أَمَّا لَوْ آمَنُوهُمْ بِدُونِ شَرْطِ قِتَالِنَا فَإِنَّهُ يَنْفُذُ عَلَيْنَا