وَفِي الْأَخِيرِ وَجْهٌ.

وَمَا أَتْلَفَهُ بَاغٍ عَلَى عَادِلٍ وَعَكْسِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي قِتَالٍ ضَمِنَ، وَإِلَّا فَلَا، وَفِي قَوْلٍ يَضْمَنُ الْبَاغِي.

ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُعَجَّلَةٍ، أَوْ كَانَتْ مُعَجَّلَةً لَكِنْ اسْتَمَرَّتْ شَوْكَتُهُمْ حَتَّى وَجَبَتْ، فَلَوْ زَالَتْ شَوْكَتُهُمْ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَمْ يَقَعْ مَا عَجَّلُوهُ مَوْقِعَهُ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ لَمْ يَكُونُوا أَهْلًا لِلْأَخْذِ. قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَيْهِ بِقَوْلِهِ بِصَدَقَةٍ عَامَّةٍ (وَفِي الْأَخِيرِ) وَهُوَ تَفْرِقَةُ سَهْمِ الْمُرْتَزِقَةِ عَلَى جُنْدِهِمْ (وَجْهٌ) أَنَّهُ لَا يَقَعُ الْمَوْقِعَ لِئَلَّا يَتَقَوَّوْا بِهِ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ.

وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُمْ مِنْ جُنْدِ الْإِسْلَامِ، وَرُعْبُ الْكُفَّارِ قَائِمٌ بِهِمْ، وَفِي الْجِزْيَةِ أَيْضًا وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ، وَفِي الزَّكَاةِ أَيْضًا وَجْهٌ حَكَاهُ الْقَاضِي. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَصَرَّحَ فِي الْإِشْرَافِ بِحِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الْخَرَاجِ.

(وَمَا أَتْلَفَهُ بَاغٍ) مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ (عَلَى عَادِلٍ وَعَكْسُهُ) أَيْ أَتْلَفَهُ عَادِلٌ عَلَى بَاغٍ (إنْ لَمْ يَكُنْ فِي قِتَالٍ) لِضَرُورَتِهِ بِأَنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ أَوْ فِيهِ لَا لِضَرُورَتِهِ (ضَمِنَ) قَطْعًا كُلٌّ مِنْهُمَا مُتْلَفَهُ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ جَرْيًا عَلَى الْأَصْلِ فِي الْإِتْلَافَاتِ.

تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا قَصَدَ أَهْلُ الْعَدْلِ بِإِتْلَافِ الْمَالِ إضْعَافَهُمْ وَهَزِيمَتَهُمْ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ: بِخِلَافِ مَا لَوْ قَصَدُوا التَّشَفِّيَ وَالِانْتِقَامَ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الْإِتْلَافُ فِي قِتَالٍ لِضَرُورَتِهِ (فَلَا) ضَمَانَ اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ؛ لِأَنَّ الْوَقَائِعَ الَّتِي جَرَتْ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ كَوَقْعَةِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ لَمْ يُطَالِبْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِضَمَانِ نَفْسٍ وَلَا مَالٍ، وَتَرْغِيبًا فِي الطَّاعَةِ لِئَلَّا يَنْفِرُوا عَنْهَا وَيَتَمَادَوْا عَلَى مَا هُمْ فِيهِ، وَلِهَذَا سَقَطَتْ التَّبِعَةُ عَنْ الْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ، وَلِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِالْقِتَالِ فَلَا يُضْمَنُ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ وَهُمْ إنَّمَا أَتْلَفُوا بِتَأْوِيلٍ (وَفِي قَوْلٍ يَضْمَنُ الْبَاغِي) مَا أَتْلَفَهُ عَلَى الْعَادِلِ؛ لِأَنَّهُمَا فِرْقَتَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مُحِقَّةٌ وَمُبْطِلَةٌ فَلَا يَسْتَوِيَانِ فِي سُقُوطِ الْغُرْمِ كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ لِشُبْهَةِ تَأْوِيلِهَا.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا يُؤْخَذُ. مِمَّا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ فِيمَا أَتْلَفَ فِي الْقِتَالِ بِسَبَبِ الْقِتَالِ، فَإِنْ أَتْلَفَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِ ضَمِنَ قَطْعًا، قَالَهُ الْإِمَامُ وَأَقَرَّاهُ ثُمَّ مَا ذَكَرَ بِالنِّسْبَةِ لِلضَّمَانِ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلتَّحْرِيمِ فَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: لَا يَتَّصِفُ إتْلَافُهُمْ بِإِبَاحَةٍ وَلَا بِتَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا يُتْلِفُهُ الْكُفَّارُ حَالَ الْقِتَالِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ.

فَرْعٌ: لَوْ وَطِئَ بَاغٍ أَمَةَ عَادِلٍ بِلَا شُبْهَةٍ حُدَّ وَرُقَّ الْوَلَدُ وَلَا نَسَبَ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حِينَئِذٍ زِنًا، وَمَتَى كَانَتْ مُكْرَهَةً عَلَى الْوَطْءِ لَزِمَهُ الْمَهْرُ كَغَيْرِهِ، وَبَعْضُهُمْ اسْتَثْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّف نَفْيَ الضَّمَانِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الْبُضْعِ بِالْوَطْءِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْقِتَالِ، وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِيهِ. وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ إذَا وَطِئَ أَمَةَ غَيْرٍ بِلَا شُبْهَةٍ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ رَقِيقًا، وَلَا نَسَبَ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا مَهْرَ إنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً عَلَى الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْأَحْكَامَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَا سَبَقَ مِنْ نَفْيِ الضَّمَانِ مَحَلُّهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الشَّوْكَةِ وَالتَّأْوِيلِ، فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُهُمَا فَلَهُ حَالَانِ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015