فَلَا، وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا فِي أَكْلِ الْهَدِيَّةِ مِنْهُ إنْ اقْتَضَتْهُ الْعَادَةُ..

ـــــــــــــــــــــــــــــQجَرَتْ الْعَادَةُ بِرَدِّ الظَّرْفِ أَوْ اضْطَرَبَتْ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي (فَلَا) يَكُونُ هَدِيَّةً بَلْ أَمَانَةً فِي يَدِهِ كَالْوَدِيعَةِ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ تَخْتَلِفَ الْعَادَةُ فِي رَدِّ الظُّرُوفِ بِاخْتِلَافِ طَبَقَاتِ النَّاسِ وَعَادَةِ الْبِلَادِ وَمَا يُحْمَلُ مِنْهَا إلَى الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ دُونَ مُهَادَاةِ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَكَذَا الْإِهْدَاءُ إلَى الْمُلُوكِ، وَلَا سِيَّمَا مَا يُحْمَلُ إلَيْهِمْ مِنْ النَّوَاحِي الْبَعِيدَةِ، فَإِنَّ الْعَادَةَ أَنْ لَا تُرَدَّ ظُرُوفُهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ عُرْفُهَا، وَفِي كُلِّ قَوْمٍ عُرْفُهُمْ بِاخْتِلَافِ طَبَقَاتِهِمْ.

تَنْبِيهٌ أَلْحَقَ الْمُتَوَلِّي بِذَلِكَ الْكِتَابَ الَّذِي يَكْتُبُهُ الْإِنْسَانُ لِصَاحِبِهِ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا أَمْ حَاضِرًا، فَإِنَّ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ يَمْلِكُهُ، فَإِنَّهُ هَدِيَّةٌ إلَّا أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ أَنْ اُكْتُبْ لِي الْجَوَابَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ إلَيْهِ (وَ) إذَا لَمْ يَكُنْ الظَّرْفُ هَدِيَّةً (يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ) لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِمِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (إلَّا فِي أَكْلِ الْهَدِيَّةِ مِنْهُ إنْ اقْتَضَتْهُ الْعَادَةُ) عَمَلًا بِهَا، وَيَكُونُ عَارِيَّةً حِينَئِذٍ.

قَالَ الْقَاضِي: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ رَدُّهُ حَالًا لِخَبَرِ «اسْتَبِقُوا الْهَدَايَا بِرَدِّ الظُّرُوفِ» قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالِاسْتِحْبَابُ الْمَذْكُورُ حَسَنٌ، وَفِي جَوَازِ حَبْسِهِ بَعْدَ تَفْرِيغِهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ رِضَا الْمُهْدِي بِهِ، وَهَلْ يَكُونُ إبْقَاؤُهَا فِيهِ مَعَ إمْكَانِ تَفْرِيغِهِ عَلَى الْعَادَةِ مُضَمِّنًا؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ لَا لَفْظًا وَلَا عُرْفًا أَمْ لَا؟ وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي مَا يُفْهِمُ الْأَوَّلَ وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ. وَأَمَّا الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فَلَا أَعْرِفُ لَهُ أَصْلًا.

وَلَوْ خَلَصَ شَخْصٌ آخَرُ مِنْ يَدِ ظَالِمٍ ثُمَّ أَنْفَذَ إلَيْهِ شَيْئًا هَلْ يَكُونُ رِشْوَةً أَوْ هَدِيَّةً. قَالَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ: يُنْظَرُ إنْ كَانَ أَهْدَى إلَيْهِ مَخَافَةَ أَنَّهُ رُبَّمَا لَوْ لَمْ يَبَرَّهُ بِشَيْءٍ لَنَقَضَ جَمِيعَ مَا فَعَلَهُ كَانَ رِشْوَةً، وَإِنْ كَانَ يَأْمَنُ خِيَانَتَهُ بِأَنْ لَا يَنْقُضَ ذَلِكَ بِحَالٍ كَانَ هِبَةً.

خَاتِمَةٌ أَفْضَلُ الْبِرِّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِمَا وَفِعْلِ مَا يَسُرُّهُمَا مِنْ الطَّاعَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِهَا مِمَّا لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ قَالَ تَعَالَى {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: 83] وَمِنْ بِرِّهِمَا الْإِحْسَانُ إلَى صَدِيقِهِمَا، لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ» وَمِنْ الْكَبَائِرِ عُقُوقُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ أَنْ يُؤْذِيَهُ أَذًى لَيْسَ بِالْهَيِّنِ مَا لَمْ يَكُنْ مَا أَذَاهُ بِهِ وَاجِبًا. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَإِذَا كَانَ فِي مَالِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ شُبْهَةٌ وَدَعَاهُ لِلْأَكْلِ مِنْهُ فَلْيَتَلَطَّفْ فِي الِامْتِنَاعِ، فَإِنْ عَجَزَ فَلْيَأْكُلْ وَيُقَلِّلْ بِتَصْغِيرِ اللُّقْمَةِ وَتَطْوِيلِ الْمَضْغَةِ. قَالَ: وَكَذَا إذَا أَلْبَسَهُ ثَوْبًا مِنْ شُبْهَةٍ وَكَانَ يَتَأَذَّى بِرَدِّهِ فَلْيَقْبَلْهُ وَلْيَلْبَسْهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَنْزِعُهُ إذَا غَابَ، وَيَجْتَهِدُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِيهِ إلَّا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015