وَجَعَلْت لَا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إلّا أَنَا عَلَى بَابِهِ وَمَعِي ابْنِي جَعْفَرٌ قَائِمٌ، فَلَا يَرَانِي إلّا أَعْرَضَ عَنّي، فَخَرَجْت عَلَى هَذِهِ الْحَالِ حَتّى شَهِدْت مَعَهُ فَتْحَ مَكّةَ وَأَنَا عَلَى حِيلَةٍ تُلَازِمُهُ حَتّى هَبَطَ مِنْ أَذَاخِرَ [ (?) ] حَتّى نَزَلَ الْأَبْطَحَ [ (?) ] ، فَدَنَوْت مِنْ بَابِ قُبّتِهِ فَنَظَرَ إلَيّ نَظَرًا هُوَ أَلْيَنُ مِنْ ذَلِكَ النّظَرِ الْأَوّلِ، قَدْ رَجَوْت أَنْ يَتَبَسّمَ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ نِسَاءُ بَنِي الْمُطّلِبِ، وَدَخَلَتْ مَعَهُنّ زَوْجَتِي فَرَقّقَتْهُ عَلَيّ. وَخَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ وَأَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ لَا أُفَارِقُهُ عَلَى حَالٍ حَتّى خَرَجَ إلَى هَوَازِنَ، فَخَرَجْت مَعَهُ، وَقَدْ جَمَعَتْ الْعَرَبُ جَمْعًا لَمْ يُجْمَعْ مِثْلُهُ قَطّ، وَخَرَجُوا بِالنّسَاءِ وَالذّرّيّةِ وَالْمَاشِيَةِ، فَلَمّا لَقِيتهمْ قُلْت: الْيَوْمَ يُرَى أَثَرِي إنْ شَاءَ اللهُ، وَلَمّا لَقِيتهمْ حَمَلُوا الْحَمَلَةَ [ (?) ] الّتِي ذَكَرَ اللهُ: ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [ (?) ] .
وَثَبَتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على بَغْلَتِهِ الشّهْبَاءِ وَجَرّدَ سَيْفَهُ، فَأَقْتَحِمُ عَنْ فَرَسِي وَبِيَدِي السّيْفُ صَلْتًا، قَدْ كُسِرَتْ جَفْنُهُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ أَنّي أُرِيدُ الْمَوْتَ دُونَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيّ، فَأَخَذَ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بِلِجَامِ الْبَغْلَةِ، فَأَخَذْت بِالْجَانِبِ الْآخَرِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَذَهَبْت أَكْشِفُ الْمِغْفَرَ، فَقَالَ الْعَبّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخُوك وَابْنُ عَمّك أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ! فَارْضَ عَنْهُ، أَيْ رَسُولَ اللهِ! قَالَ:
قَدْ فَعَلْت، فَغَفَرَ اللهُ كُلّ عَدَاوَةٍ عَادَانِيهَا! فَأُقَبّلُ رِجْلَهُ فِي الرّكَابِ، ثُمّ الْتَفَتَ إلَيّ فَقَالَ: أَخِي لَعَمْرِي! ثُمّ أَمَرَ الْعَبّاسَ فَقَالَ: نَادِ يَا أَصْحَابَ الْبَقَرَةِ [ (?) ] ! يَا أَصْحَابَ السّمُرَةِ [ (?) ] يوم الحديبية! يا للمهاجرين! يا للأنصار