ومن الطريف أن يلاحظ أن ابن إسحاق يتهم هو الآخر بميوله الشيعية والقدرية [ (?) ] . ويبدو لنا أن السبب فى اتهام الواقدي وابن إسحاق بالتشيع لا يرجع إلى عقيدتهما الشخصية، وإنما يرجع إلى ما ورد فى كتابيهما من الأقوال والآراء الشيعية التي يعرضانها، وليس ذلك عن عقيدة صحيحة فيها، مما تقتضيه طبيعة التأليف فى مثل هذه الموضوعات.
ولعل السبب فى وصف الواقدي خاصة بأنه يتشيع يرجع إلى ما أورده فى بعض مواضع من كتابه حين يأتى إلى جماعة من الصحابة، ومنهم بعض الخلفاء الراشدين، فيذكر مثلا عمر وعثمان فى عبارات لا تضعهما فى مكانتهما المرموقة. فمثلا فى المخطوطة التي اتخذناها أصلا لهذه النشرة نرى قائمة بمن فر عن النبي يوم أحد، تبدأ بهذه الكلمات «وَكَانَ مِمّنْ وَلّى فُلَانٌ، وَالْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ، وَسَوّادُ بْنُ غَزِيّةَ، وَسَعْدُ بْنُ عُثْمَانَ، وَعُقْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ، وَخَارِجَةُ بْنُ عَامِرٍ، بَلَغَ مَلَلَ، وَأَوْسُ بْنُ قَيْظِيّ فِي نفر من بنى حارثة» [ (?) ] ، بينما نرى النص عند ابن أبى الحديد عمر وعثمان، بدلا من فلان، ويروى البلاذري عن الواقدي عثمان، ولا يذكر عمر [ (?) ] .
ويظهر بوضوح أن النص فى المخطوطة الأم كان يذكر عثمان وعمر، أو عمر وحده، أو عثمان وحده، ممن ولوا الأدبار يوم أحد. ولكن الناسخ لم يقبل هذا فى حق عمر أو عثمان، فأبدل اسميهما أو اسم أحدهما بقوله: فلان. ولا شك أن نص الواقدي الأصلى وقع فى أيدى طائفة من الشيعة وقرأوا فيه هذه الأخبار التي أوردها فى حق عمر وعثمان مثلا، فاعتقدوا أنه شيعى قطعا.
وفى ضوء ما تقدم من الحجج تظل عبارات ابن النديم عن تشيع الواقدي قاصرة عن أن تنهض دليلا على تشيعه، وستظل تفتقر إلى دعائم أخرى تؤيدها، وخاصة من نصوص الواقدي نفسه.