أَبَاك أَنْ يَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَطَاعُوهُ خَيّرَهُمْ، وَإِنْ أَحَبّوا أَنْ يُقِيمُوا فِي دَارِهِمْ وَيَكُونُوا كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا شَيْءَ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ وَلَا الْغَنِيمَةِ إلّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ تَحَوّلُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ. قَالَ أُسَامَةُ: هَكَذَا وَصِيّةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي، وَلَكِنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي، وَهُوَ آخِرُ عَهْدِهِ إلَيّ، أَنْ أُسْرِعَ السّيْرَ وَأَسْبِقَ الْأَخْبَارَ، وَأَنْ أَشُنّ الْغَارَةَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ دُعَاءٍ، فَأُحَرّقَ وَأُخَرّبَ. فَقَالَ بُرَيْدَةُ: سَمْعًا وَطَاعَةً لِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَلَمّا انْتَهَى إلَى أُبْنَى فَنَظَرَ إلَيْهَا مَنْظَرَ الْعَيْنِ عَبّأَ أصحابه وقال: اجعلوها غارة ولا تمعنوا فِي الطّلَبِ وَلَا تَفْتَرِقُوا، وَاجْتَمِعُوا وَأَخْفُوا الصّوْتَ، وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَجَرّدُوا سُيُوفَكُمْ وَضَعُوهَا فِيمَنْ أَشْرَفَ لَكُمْ. ثُمّ دَفَعَ عَلَيْهِمْ الْغَارَةَ، فَمَا نَبَحَ كَلْبٌ وَلَا تَحَرّكَ أَحَدٌ، وَمَا شَعَرُوا إلّا بِالْقَوْمِ قَدْ شَنّوا عَلَيْهِمْ الْغَارَةَ يُنَادُونَ بِشِعَارِهِمْ: يَا مَنْصُورُ أَمِتْ!. فَقَتَلَ مَنْ أَشْرَفَ لَهُ، وَسَبَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَحَرّقَ فِي طَوَائِفِهِمْ [ (?) ] بِالنّارِ، وَحَرّقَ مَنَازِلَهُمْ وَحَرْثَهُمْ [ (?) ] وَنَخْلَهُمْ، فَصَارَتْ أَعَاصِيرُ مِنْ الدّخَاخِينِ [ (?) ] . وَأَجَالَ الْخَيْلَ فِي عَرَصَاتِهِمْ، وَلَمْ يُمْعِنُوا فِي الطّلَبِ، أَصَابُوا مَا قَرُبَ مِنْهُمْ وَأَقَامُوا يَوْمَهُمْ ذَلِكَ فِي تَعْبِئَةِ، مَا أَصَابُوا مِنْ الْغَنَائِمِ. وَكَانَ أُسَامَةُ خَرَجَ عَلَى فَرَسِ أَبِيهِ الّتِي قُتِلَ عَلَيْهَا أَبُوهُ يَوْمَ مُؤْتَةَ كَانَتْ تُدْعَى سَبْحَةَ، وَقَتَلَ قَاتِلَ أبيه فى الغارة، خبّره به بعض