وَالزّيْتِ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَبَعْدَ أَنْ دَخَلَ الْإِسْلَامُ، فَإِنّمَا كَانَتْ أَخْبَارُ الشّامِ عِنْد الْمُسْلِمِينَ كُلّ يَوْمٍ، لِكَثْرَةِ مَنْ يَقْدَمُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْأَنْبَاطِ، فَقَدِمَتْ قَادِمَةٌ فَذَكَرُوا أَنّ الرّومَ قَدْ جَمَعَتْ جَمُوعًا كَثِيرَةً بِالشّامِ، وَأَنّ هِرَقْلَ قَدْ رَزَقَ أَصْحَابَهُ لِسَنَةٍ، وَأَجْلَبَتْ مَعَهُ لَخْمٌ، وَجُذَامُ، وَغَسّانُ، وَعَامِلَةُ. وَزَحَفُوا وَقَدّمُوا مُقَدّمَاتِهِمْ إلَى الْبَلْقَاءِ وَعَسْكَرُوا بِهَا، وَتَخَلّفَ هِرَقْلُ بِحِمْصٍ. وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ، إنّمَا ذَلِكَ شَيْءٌ قِيلَ لَهُمْ فَقَالُوهُ. وَلَمْ يَكُنْ عَدُوّ أَخْوَفَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ لِمَا عَايَنُوا مِنْهُمْ- إذْ كَانُوا يَقْدَمُونَ عَلَيْهِمْ تُجّارًا- مِنْ الْعَدَدِ وَالْعُدّةِ وَالْكُرَاعِ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْزُو غَزْوَةً إلّا وَرّى بِغَيْرِهَا، لِئَلّا تَذْهَبَ الْأَخْبَارُ بِأَنّهُ يُرِيدُ كَذَا وَكَذَا، حَتّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ، فَغَزَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا، وَاسْتَقْبَلَ غُزّى وَعَدَدًا كَثِيرًا، فَجَلّى لِلنّاسِ أَمْرَهُمْ [ (?) ] لِيَتَأَهّبُوا لِذَلِكَ أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ، وَأَخْبَرَ بِالْوَجْهِ الّذِي يُرِيدُ. وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْقَبَائِلِ وَإِلَى مَكّةَ يَسْتَنْفِرُهُمْ إلَى غزوهم، فبعث إلى أسلم بريدة ابن الْحُصَيْبِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَبْلُغَ الْفُرْعَ. وَبَعَثَ أَبَا رُهْمٍ الْغِفَارِيّ إلَى قَوْمِهِ أَنْ يَطْلُبَهُمْ بِبِلَادِهِمْ، وَخَرَجَ أَبُو وَاقِدٍ اللّيْثِيّ فِي قَوْمِهِ، وَخَرَجَ أَبُو الْجَعْدِ الضّمْرِيّ فِي قَوْمِهِ بِالسّاحِلِ، وَبَعَثَ رَافِعَ بْنَ مَكِيثٍ، وَجُنْدُبَ بْنَ مَكِيثٍ فِي جُهَيْنَةَ، وَبَعَثَ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ فِي أَشْجَعَ، وَبَعَثَ فِي بَنِي كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو بُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ، وَعَمْرَو بْنَ سَالِمٍ، وَبِشْرَ بْنَ سُفْيَانَ، وَبَعَثَ فِي سُلَيْمٍ عِدّةً، مِنْهُمْ الْعَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ.
وَحَضّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم المسلمين