تناول معلومه، وقد عطَّل الجهة؛ لأنه لا معلوم لها. وينبغي ألَّا يستحق الفقهاء المنزلون معلومًا؛ لأن مدرستهم شاغرة عن مدرِّس. وإن كان يقدر على أكثر منه، ولكنه يسهِّل ويتأوَّل فهو أيضًا قبيح؛ فإنَّ هذا يطرِّق العوامّ إلى رَوم هذه المناصب؛ فقل أن يوجد عاميّ لا يقدر على حفظ سطرين. ولو أنَّ أهل العلم صانوه، وأعطى المدرس منهم التدريس حقه: فجلس، وألقى جملة صالحة من العلم، وتكلَّم عليها كلام محقِّق عارف، وسأل وسُئِل، واعترض وأجاب، وأطالَ وأطاب: بحيث إذا حضره أحد العوامّ أو المبتدئين أو المتوسطين فهم من نفسه القصور عن الإِتيان بمثل ما أتى به، وعرف أن العادة أنه لا يكون مدرس إلَّا هكذا والشرع كذلك لم تطمح نفسه في هذه المرتبة، ولم تطمع العوامّ بأخذ وظائف العلماء. فإذا رأينا العلماء يتوسّعون في الدروس، ولا يعطونها حقها ويبطلون كثيرًا من أيام العمالة، وإذا حضروا اقتصروا على مسألة أو مسئلتين من غير تحقيق ولا تفهيم، ثم رأيناهم يقلقون من تسلط من لا يصلح على التدريس، ويعيبون الزمان وأولياء الأمور، فالرأي أن يقال لهم: أنتم السبب في ذلك؛ بما صنعتم؛ فالجناية منكم عليكم ومن المهمات مدارس وقفها واقفوها على الفقهاء والمتفقهة، والمدرس من الشافعية أو الحنفيّة أو المالكية أو الحنابلة، فيلقي المدرس في هذه المدرسة تفسيرًا أو حديثًا أو نحوًا أو أصولًا أو غير ذلك، إمَّا لقصوره عن الفقه، أو لغرض آخر. وعندي أن الذمَّة لا تبرأ في المدرسة الموقوفة على الفقهاء إلَّا بإلقاء الفقه. فإن كان هذا المدرِّس لا يلقي الفقه رأسًا فهو آكل حرام. وكذلك نقول في مدرسة التفسير إذا ألقى مدرِّسيها غير تفسير، ومدرسة النحو إذ ألقى مدرسها غير نحو. والأحوط في هذا كله الإِلقاء من الفن الذي بنيت له المدرسة؛ فإن الواقف لو أرادَ غير ذلك لسمَّى ذلك الفن. وإن كان يلقي الفقه مثلًا في مدرسة الفقهاء غالبًا، ولكنه ينوِّع في بعض الأيام: فيذكر تفسيرًا أو حديثًا أو غيره من العلوم الشرعية لقصد التنويع على الطلبة وبعث عزائمهم، فلا بأس؛ غير أن الأحوط خلافه. وهذا كله بشرط أن يكون المسمَّى بالمدرسة أهل نوع خاص؛ كما مثلنا في مدرسة وقفت على مدرس شافعي أو حنفي مثلًا، وفقهاء ومتفقهة من أهل ذلك المذهب، وألَّا يكون شرط في المدرِّس معرفة غير ذلك الفن. فإن شرط فيه فنونًا كما في مدارس كثيرة في ديار مصر، وفي بلاد الشام