المقالة يخصِّصُ بها من يشاء، ولا يعتقدها أيضًا؛ فإنَّه لو اعتقدها لم يخصّ بها. وهذا من علامات الاستهانة بدين اللَّه تعالى؛ نعوذُ باللَّه من الخذلان. وما هذا المفتي إلَّا ضالّ، خارق لحجاب الهيبة، مسقط لأبَّهة الشرع، مفسد لنظام الدين. أُنشِدت لبعض سفهاء الشعراء:
الشافعيّ من الأئمة قائل: ... اللعب بالشِطْرَنج غير حرام
وأبو حنيفة قال -وهو مصدَّق ... في كل ما يروى من الأحكام-:
شرب المثلَّث والمربَّع جائز ... فاشرب على أمن من الآثام
وأباح مالك الفِقاح (?) تكرُّما ... في ظهر جارية وظهر غلام
والحبر أحمد حل جلد عُمَيرة (?) ... وبذاك يستغنى عن الأرحام
فاشرب ولط وازن وقامر واحتجج ... في كل مسألة بقولِ إمام
فقلت: رأي في مثل هذا الشاعر أن يُضرب بالسياط، ويُطاف به في الأسواق. فقبَّحه اللَّه تعالى وأخزاه! لقد أجترأ على أئمة المسلمين، وهداة المؤمنين. وقد افترى على مالك فيما عزاه إليه، وعلى الكل في تسمية الشطرنج قمارًا، وإطلاق الزنا واللواط والشرب على ما سمَّاه؛ ومَنْ هذه حاله يؤول -والعياذ باللَّه تعالى- إلى الزندقة. ولعلَّ الأصل في هذا قول أبي نواس:
أباحَ العراقيّ النبيذ وشربه ... وقال: حرامان المدامة والسكم
وقال الحجازي: الشرابان واحد ... فحلَّت لنا من بين قوليهما الخمر
سآخذ من قوليهما طرفيهما ... وأشربها لا فارق الوازر الوزرُ
ومعنى هذا أنَّ أبا حنيفة -وهو العراقيّ- أباحَ النبيذ إذا لم يسكر، وحرَّم المسكر مطلقًا: نبيذًا كان أو خمرًا، والخمر مطلقًا: مسكرًا كان أو غير مسكر، وأنَّ الشافعيّ -وهو الججازي- قال: الشرابان واحد: النبيذ والخمر فيحرم قليل كل منهما وكثيره، فركَّب هو من بين قوليهما قولًا ثالثًا، لكنه رافع للمجمع عليه؛