لسانه، وكل إناء بالذي فيه ينضح. سمعت صاحبنا الشيخ تاج الدين المراكشيّ رحمهُ اللَّه تعالى، يَحكي عن الشيخ ركن الدين بن القوبع أنَّ شحاذًا سأله وهو في الطريق، فأجابه: يفتح اللَّه. فقال: يا شيخ قد فتحَ اللَّه تعالى عليك، إذا جادت الدنيا عليك فجُد بها. فوقف ابن القَوْبع، فقال: ولِمَ قلت: إنها جادت عليَّ! وإن سَلَّمنا أنها جادت فلِمَ قلت: إنه يجب عليَّ الجود بها! وإن سلَّمنا أنه يجب فلم قلت: إنِّي ما جدت، وما انحصرت القسمة فيك.
فهذا ابن القوبع غلبت عليه المناظرة، فاستعملها مع حرفوش لا يدري ما يقال له. وكذلك حَكى لنا بعض مشايخنا عن الشيخ العلّامة صفيّ الدين الهندي إمام المتكلمين في عصره أنه جاءه حِمْل زيت، فأمسكه المكَّاسون في الطريق على المكْس، فكتب إليهم كتابًا يُتعجَّب من ذكره، مشتملًا على أنواع الجدل والسبْر والتقسيم. وأمَّا ما كان الحامل عليه مجرَّد التقعُّر في اللفظ فهي رُعونة. وقد كتب الإِمام أبو عمرو بن دِحْية إلى السلطان الملك الكامل محمد بن أبي بكر ابن أيوب صاحب مصر يهنِّئه بعافيته من مرض أصابه كتابًا كله من هذا النمط. ومنهم من شغلَ نفسه بالألفاظ، وأعرض عن معانيها، بحيث انتهى به الحال إلى ضرب غريب من الخطأ. قال أبو حيّان التوحيدي؛ إيَّاك أن تقيس اللغة، فإنِّي رأيت نبيهًا من الناس وقد سئل عن قوم، فقال: هم خروج. فقيل: ما تريد بهذا؟ فقال: قد خرجوا. فكأنَّه أراد: خارجون. فقيلَ: هذا ما سمع. قال: كما قال اللَّه تعالى: {إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ} (?) أي قاعدون فَضُحِك به. وسئل أبو الفرج البغدادي: هل يُقال لعارف اللغة: لَغوي بفتح اللام أو ضمِّها؟ فقال: بفتحها: أما سمعتم قوله تعالى: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ} (?) فضحِكوا منه. وأعربَ بعضهم قوله تعالى: {قَيِّمًا} من قوله: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا} (?) صفةً لعوجًا، وهذه غفلة. كيف يكون المُعْوَجًّ قَيِّمًا! وإنَّما {قَيِّمًا} حال من محذوف، أي أنزله قيمًا أو من الكتاب. وذكر آخرون أن قوله {أَنْ نَفْعَلَ} من قوله تعالى: {يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} (?) معطوف على أن نترك. وذلك