وفلان وفلان، أقوامًا ذوي مال. وإن أردت الجاه فعليك بالقضاة وإن أردت الكتابة فعليك بفلان، وفلان، أقوامًا يكتبون. وإن أردت اللغة والنحو فعليك بي. وإن كنت تبغي القِرى فلج الدار، وادخل المِخْدع وأصب من الزاد ما يمسك خُشاشَة رَمقك. فرفع اللصُّ رأسه، وقال: لو كانت الجنة دارك ما دخلتها. وحكي أن طبيبًا دخل إلى نحوى مريض، فقال: ما كان أُكُلك أمس؟ فقال: أكلت لحم عُطْعُطٍ وساقه خِرْنق، وجؤجؤ حيْقطَان اقتنصه بازيّ فلمَّا كان في الدُّجى أصبت منه معمعة في الحشا، وقرقرة في المِعى، فقال الطبيب للحاضرين: هذه خفة ارتفعت إلى الدماغ، فأصلِحوا الغذاء له قبل أن يُجنّ. العُطْعُطْ: الجدي، الخِرْنِق: ولد الأرنب، الجؤجؤ: الصدر. الحَيْقُطان: بالطاء المهملة: الدُرَّاج الذكر.
وحكى أبو القاسم الراغب، قال: ابتاع تلميذ ليعقوب بن إسحق الكِنْدِيِّ جارية، فاعتاصت عليه، فشكا حالها إلى يعقوب فقال له: جئني بها. قال: فلمَّا حضرت عنده قال لها: يا هذه اللغوبة: ما هذه الاختيارات الدالّات على الجهالات؟ أما علمت أن فرط الاعتياصات، من الموقفات على طالبي المودَّات، مؤذنات بعدم المعقولات! فقالت الجارية حيَّاها اللَّه وبيَّاها: أما علمت أنَّ هذه العثنونات المنتشرات على صدور ذوي الرقاعات محتاجات إلى المواسِي الحالِقات! فقال يعقوب: للَّه درُّها! لقد قسمت الكلام تقسيمًا. واعلم أن الحكايات في هذا الباب تخرج عن حد الحصر، وتقتضي الخروج من الجِدِّ إلى ضربٍ من الهزل والحاصل أنَّ ما كان الحامل عليه غلبة هذه الصناعة مذموم من جهة أن ذا الصناعة كان ينبغي أن يقوّم قلبه ودينه قبل أن يقوِّم ألفاظه. فاللحن في اللفظ ولا اللحن في الدين. وقد غلب على كل ذوي فنّ فنُّهم، بحيث سأل بعضهم أبا طاهر الزياديّ وهو في النزعِ عن ضمان الدَرَك. وحكاية أبي زرعة فبمن كان آخر كلامه لا إله إلَّا اللَّه دخل الجنة شهيرة، وأنه سئل وهو في النزع عن هذا الحديث فساقه بإسناده إلى أن وصل إلى لا إله إلَّا اللَّه، وماتَ قبل أن يقول: دخل الجنة. فلقد نفعه اللَّه تعالى بعلم الحديث وحكي أنَّ دبَّاغًا كان آخر كلامه بعد أن رُدِّدَ عليه لفظ الشهادة مرارًا، كلامًا يتداوله الدبَّاغون؛ وبعض الأمراء كان آخر كلامه: هاتوا القباء الفلانيّ: ومَنْ أكثر من شيء ظهر على فلتات