أحمد بن القاسم بن يوسف من مشايخي- يقول: سمعت أبا الحسن عليّ بن أحمد بن صالح التَّمار يقول: سمعت أبا بكر محمد بن يحيى العدويّ يقول: سمعت عبد السميع بن سليمان يقول: سمعت عبد اللَّه بن المبارك يقول وقد بلغه عن ابن عُليّة رحمهما اللَّه أنه قد ولي الصدقات بالبصرة فكتبَ إليه بهذه الأبيات:
يا جاعلَ العلم له بازيًا ... يصطادُ أموالَ المساكينِ
احتلت للدنيا ولذَّاتها ... بحيلة تذهب بالدين
فصرتُ مجنونًا بها بعد ما ... كنت دواءً للمجانين
أين رواياتك فيما مضى ... عن ابنِ عونٍ وابن سيرين
أين رواياتك في سردِها ... لتركِ أبوابِ السلاطين
إن قلت: أكرهتُ فذا باطلٌ ... زلَّ حِمارُ العلم في الطين
قال: فلمَّا بلغت هذه الأبياتُ ابن عُلَيّة بكى واستعفى وأنشأَ يقول.
أفٍّ لدنيا أبت تواتيني ... إلَّا بنقضي لها عُرَى ديني
عيني لحَبْني ضمير مقلتها ... تطلب ما ساءها لترضيني
وأنشد بعضهم في قاضيين عُزِل أحدهما وولي الآخر:
عندي حديثٌ طريف ... بمثله يُتَغنَّى
في قاضيين يعزّى ... هذا وهذا يُهنَّى
هذا يقول: اكرَهونا ... وذا يقول: استرحنا
ويكذِبان جميعًا ... ومن يصدِّق منا
فإذا بلا اللَّه تعالى أهل هذه الخرقة بولاية الجهال عليهم، ووصول وظائف القضاء ومناصب الدين لغير أهلها، أليس ذلك عدلًا من اللَّه تعالى!
ومنهم المؤرخون. وهم على شفا جرف هار؛ لأنهم يتسلَّطون على أعراض الناس؛ وربَّما نقلوا مجرَّد ما يبلغهم من صادقٍ أو كاذب؛ فلا بدَّ أن يكون المؤرخ عالمًا عدلًا عارفًا بحال من يترجمه، ليس بينه وبينه من الصداقة ما قد يحمله على التعصّب له، ولا من العداوة ما قد يحمله على الغَضِّ منه. وربَّما كان الباعثَ له على الضعة من أقوامِ مخالفة العقيدة، واعتقاد أنهم على ضلال، فيقع فيهم، أو يقصِّر في الثناء عليهم لذلك؛ وكثيرًا ما يتَّفق هذا لشيخنا الذهبيّ