والحرام بمفرده، وإلَّا فمتى خلطهما ولم تتميَّز صارَ الكل حرامًا. وفي ذهن كثير من العامَّة أنَّ الأموال إذا خلطت ودخلت بيت المال صارت حلالًا. وهذا جهل؛ ما اجتمع الحلال والحرام إلَّا غلبَ الحرام الحلال. وبيت المال لا يُحِل ما حرَّم اللَّه تعالى. ثم إذا تميَّز الحلال عن الحرام صرف الحلالَ على أهل العلم والدين ومن يتحرى أكله. ويتعيَّن عليه التخفيف في العقوبات على من تتوجَّه عليه بغير حقّ إذا لم يمكنه دفعها. فليت شعري إذا جلس وزير يعاقب الرعايا ليستخرج منهم الخبائث التي لا يجوز له أخذها، ودَفعها إلى من يأخذها ظلمًا، ويصرفها فيما لا يحلّ فكيف يكون وجهه عند اللَّه تعالى! وكيف لا يتبادرَ إليه الوخم وسوء العاقبة في الدنيا! وكذلك ترى عواقب الوزراء وقبط الدواوين شر العواقب في الدنيا والآخرة.
مشد الدواوين: ووظيفته استخلاص ما يتقرَّر في الديوان على من يعسر استخلاصه منه. والكلام فيه كالكلام في الوزير. وهو أشد حالًا؛ لأن الوزير يدَّعي أنَّه يعرف الحساب ولا يؤاخذ إلَّا بما تقرَّر في الديوان، وهذا يقلِّد الوزير: فيضرب ويعاقب على جهل بالشرع والعادة. بل حقَّ عليه لو رفع إليه من توجَّه عليه حق معيّن أن يرفق به. حكى أن المنصور رحمه اللَّه بلَّغه عن جماعة من كتاب الدواوين خيانة فأمرَ بعقوبتهم فقال صبيّ منهم وهو يضرب:
أطالَ اللَّه عُمْرك في صلاح ... وعِزّ يا أمير المؤمنينا
بعفوك أستجيرُ فإن تجازي ... فإنك عصمةٌ للعالمينَا
ونحن الكاتبونَ وقد أسأنَا ... فهبنا للكرام الكاتبينا
الدواوين (?) في سائرِ الجهات: وإلى الوزير إن كانوا دواوين