بلطفه، ويزويَ عنك تلك النعمة لتتذكر، وتنتبه من منامك لبقيت طائشًا في غيِّك، مُتحيّرًا في طغيانك. وذلك يؤول إلى فساد حالك بالكليَّة. فحلول المحنة -والحالة هذه- نعمة. وإن أردت حصر الفوائد التي فيها فلن تجد إلى ذلك سبيلًا، لكثرته، وخروج بعضه عن إدراك أفهامنا؛ فإن حِكَم الربّ تعالى منها ما ندركه، ويُتفاوت فيه بقدر تفاوتنا في العلوم والمعارف؛ ومنها ما تَقْصُر العقولُ عن إدراكه. ولسلطان العلماء شيخ الإِسلام عزِّ الدين محمد بن عبد السلام رضي اللَّه تعالى عنه كلام على فوائد المحن والرزايا، أنا أحكيه لك بجملته. قال رضي اللَّه عنه: للمصائب والبلايا، والمحن والرزايا قوائد، تختلف باختلاف رُتب الناس. إحداها معرفة عزِّ الربوبية وقَهْرِها. والثانية معرفة ذِلَّة العبودية وكَسْرِها. وإليه الإِشارة بقوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (?) اعترفوا بأنهم مِلكه وعبيده، وأنهم راجعون إلى حكمه وتدبيره، وقضاؤه وتقديره، لا مَفَرَّ لهم منه، ولا محيد لهم عنه. والثالثة الإخلاص للَّه تعالى؛ إذ لا مرجع في دفع الشدائد إلَّا إليه، ولا معتمد في كشفها إلَّا عليه، {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} (?) {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (?). الرابعة الإِنابة إلى اللَّه، والإِقبال عليه، {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ} (?). الخامسة الترصُّع والدعاء {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا} (?) {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} (?) {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} (?) {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} (?). . السادسة الحلم عمَّن صدرت عنه المصيبة {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} (?) {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} (?) (إن فيك خَصْلتين يحبهما اللَّه: الحلم والأناة) وتختلف مراتب الحلم باختلاف المصائب في صغرها وكبرها. فالحلم عند أعظم المصائب أفضل من كل حِلْم. السابعة العفو