بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الشيخ الإِمام العلَّامة قاضي القضاة شيخ الإِسلام تاج الدين السبكي الشافعي تغمَّده اللَّه تعالى برحمته:
أمَّا بعد حمد اللَّه معيد النعم، ومبيد النِقم، بمزيد الشكر ومديد الكرم، والصلاة والسلام على نبيِّه سيدنا محمد خير العرب والعجم، والهادي إلى أرشد طريق وأقوم أُمَم وعلى آله وأصحابه وصالحي أمته خير الأمَم، فقد ورد عليَّ سؤال مضمونه: هل من طريق لمن سلُب نعمة دينية أو دنيوية، إذا سلكها عادت إليه، ورُدَّت عليه؟ فكان الجواب: طريقه أن يعرف: من أين أتى فيتوبُ منه ويعترف بما في المحنة بذلك من الفوائد فيرضى بها، ثم يتضرَّع إلى اللَّه تعالى بالطريق التي تذكرها.
هذه ثلاثة أمور هي طريقه التي يحصل بمجموعها دواءُ مرضه ويعقُبها زوال علَّته، بعضها مرتَّب على بعض لا يتقدَّم ثالثها على ثانيها، ولا ثانيها على أولها.
فعاد إليّ السائل قائلًا: اشرح لنا هذه الأمور شرحًا مبينًا مختصرًا، وصِف لنا هذا الدواء وصفًا واضحًا؛ لنستعمله.
فقلت: هذا سرٌّ غريب، جمهور الخلق لا يحيطون بعلمه، ونبأ عظيم أكثر الناس معرِضون عن فهمه؛ لاستيلاء الغفلة على القلوب، ولغلبة الجهل بما يجب للربّ على المربوب.
وأنا أبحث عن هذه الأمور في هذا المجموع الذي سمّيته: (معيد النعم، ومبيد النقم) بحثًا مختصرًا، لا أرخِي فيه عِنان الإِطناب؛ فإنَّه بحر لا ساحل له، لو ركبت فيه الصعب والذلول، وشمَّرت فيه عن ساق البيان، وخضت فيه لجج الدقائق، لذكرت ما يعسر فهمه على أكثر الخلائق، ولانتهينا إلى ما لم يؤذن لنا في إظهاره من الأسرار العلمية. وإنَّما أذكر من ذلك ما تشترك الخاصة والعامَّة في فهمه؛ وأخصُّ فيه النعم الدنيوية؛ إذ كانت محطَّ غرض السائل؛ عسى اللَّه أن