لأن الأخير فيه زيادة اشتراط نفي، والأول نعني به الإطلاق الذي هو منقطع البتة عما وراء الإنسانية نفيا كان أو إثباتا، فالكلي بهذا المعنى موجود في الأعيان فإن وجود الوحدة أو الكثرة او غير ذلك من اللواحق مع الإنسان، وإن لم يكن بما هو إنسانية، إذ لا تخرج الإنسانية عنها في الوجود، فإن لكل موجود مع غيره لا في ذاته وجودا يخصه، وانضمام غيره إليه لا يوجب نفي وجوده من حيث ذاته وجودا يخصه، وانضمام غيره إليه لا يوجب نفي وجوده من حيث ذاته، فالإنسانية عند الإعتبار موجودة بالفعل في آحاد الناس محمول على كل واحد، لا على أنه واحد بالذات ولا على انه كثير، فإن ذلك ليس بما هو إنسانية.
والمعنى الثاني للكلي هو الإنسانية مثلا بشرط أنه مقولة بوجه من الوجوه المقولية على كثيرين، وهذا غير موجود في الأعيان، إذ يستحيل وجود شيء واحد بعينه يكون محمولا على كل واحد من الآحاد في وقت واحد معين. وذلك لأن الإنسان الذي اكتنفته الأعراض المخصصة لشخص زيد لمتكتنفه أعراض عمرو، حتى تكون تلك الإنسانية بعينها موجودة في عمرو، يكون هو ذلك في العدد بعينه، وربما يكتنفهما أعراض متعاندة، ولكن هذا المعبر عنه موجود في الأذهان على معنى أنه إذا سبق إلى الحس شخص زيد، حدث في النفس أثر، وهو انطباع صورة الإنسانية فيه، وهو لا يعلم، وهذه الصورة المأخوذة من الإنسانية المجردة من غير التفات إلى العوارض المخصصة لو أضيفت إلى إنسانية عمرو لطابقته، علىمعنى أنه لو ظهر للحس فرس بعده يحدث في النفس أثر آخر، ولو ظهر عمرو لم يتجدد في نفس أثر بل سائر أشخاص الناس في ذلك مستوية، سواء الأشخاص الموجودة والتي