وأعجب من ذلك أنه عمر الدهر الطويل، وانفرد في الدنيا بعلو الإسناد في القراءات، وعاش بعد ما قرأها بعدة كتب، ثلاثا وثمانين سنة.

وهذا لا نظير له في الإسلام، وقد قرأ بست روايات، على هبة الله بن الطبر الحريري، وسمع منه وهو آخر أصحابه موتا.

وقرأ بالعشر على أبي منصور بن خيرون، وأبي بكر محمد بن ابراهيم المحولي، وأبي الفضل بن المهتدي بالله، وسمع من القاضي أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري، وأبي منصور الشيباني، وأبي القاسم بن السمرقندي، وأبي الحسن بن توبة، وطائفة سواهم، تفرد عن كبارهم.

وأخذ العربية عن سبط الخياط، ثم عن أبي السعادات هبة الله بن الشجري وغيره، واللغة وكان بارعا فيها عن أبي منصور بن الجواليقي.

وتفقه في مذهب أحمد، وقال الشعر الجيد، وعانى في شبيبته التجارة والأسفار، ومدح بالشعر فروخشاه نائب دمشق، فنوه بذكره، وأقبل عليه، وتصدر بدمشق للاشغال زمانا.

ونال جاها ودنيا عريضة، واتخذ المماليك، ودارا كبيرة بدرب العجم فكان الملك المعظم صاحب دمشق ينزل إليه ويقرأ عليه، وانتقل إلى مذهب أبي حنيفة لأجل الدنيا.

وكان حسن الأخلاق طيب المزاج، مكرما للغرباء، حجة في النقل متبحرا في عدة علوم، خرج له عدة أصحاب، وقرأ عليه القراءات علم الدين السخاوي، وعلم الدين القاسم الأندلسي، ومنتخب الدين الهمذاني، وكمال الدين بن فارس، وجماعة.

وانتهى إليه أيضا علو الإسناد في الحديث، وسمع منه خلق لا يحصون روى عنه الحافظ عبد الغني وأولاده، وابن الأنماطي، والضياء المقدسي والشيخ شمس الدين بن أبي عمر، وأبو الغنائم بن علان.

وفخر الدين بن البخاري، ومحمد بن مؤمن ويوسف بن المجاور، وأمم سواهم، وفيه يقول السخاوي: لم يكن في عصر عمرو مثله، وكذا الكندي في آخر عصره.

فهما زيد وعمرو إنما ... بني النحو على زيد وعمرو

توفي تاج الدين الكندي، في شوال سنة ثلاث عشرة وستمائة، ودفن بقاسيون، رحمه الله تعالى.

17- محمد بن أحمد بن بختيار الإمام القاضي أبو الفتح المندائي الواسطي، المقرئ المعدل.

ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة، وسمع القراءات من أبي عبد الله

البارع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015