وسمعت عبد العزيز بن جعفر يقول: سمعت منه أمالي ثعلب، واختار حروفا خالف فيها العامة.
فنوظر عليها فلم يكن عنده حجة، فاستتيب فرجع عن اختياره بعد أن وقف للضرب، وسأل ابن مجاهد أن يدرأ عنه ذلك فدرأ عنه، فكان يقول: ما لأحد علي منة كمنة ابن مجاهد.
ثم رجع بعد موت ابن مجاهد إلى قوله، فكان ينسب إلى أن كل قراءة توافق خط المصحف، فالقراءة جائزة، وإن لم يكن لها مادة، قال أبو بكر الخطيب: لابن مقسم كتاب جليل في التفسير، ومعاني القرآن سماه كتاب الأنوار.
وله تصانيف عدة، ومما طعن عليه أنه عمد إلى حروف من القرآن فخالف الإجماع فيها، فقرأها وأقرأها على وجوه، ذكر أنها تجوز في اللغة والعربية.
وشاع ذلك عنه، فأنكر عليه فارتفع الأمر إلى السلطان، فأحضره واستتابه بحضرة الفقهاء والقراء، فأذعن بالتوبة، وكتب محضر توبته، وقيل إنه لم ينزع عن تلك الحروف، وكان يقرئ بها إلى آخر وفاته.
وقال أبو طاهر بن أبي هاشم في كتاب البيان: وقد نبغ نابغ في عصرنا هذا، فزعم أن كل من صح عنده وجه في العربية لحرف من القرآن يوافق خط المصحف فقراءته جائزة في الصلاة وغيرها.
فابتدع بقيله ذلك بدعة، ضل بها عن قصد السبيل، وأورط نفسه في منزلة عظمت بها جنايته على الإسلام وأهله، وحاول إلحاق كتاب الله من الباطل ما لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه.
إذ جعل لأهل الإلحاد في دين الله، بسبب رأيه طريقا إلى مغالطة أهل الحق، بتخيير القراءات من جهة والبحث والاستخراج بالآراء، دون الاعتصام والتمسك بالأثر.
وكان شيخنا أبو بكر نصر الله وجهه، سئل عن بدعته المضلة فاستتابه منها، بعد أن سئل البرهان على ما ذهب إليه، فلم يأت بطائل، ولم يكن له حجة قوية، فاستوهب أبو بكر تأديبه من السلطان، عند توبته، ثم عاود في وقتنا هذا إلى ما كان ابتدعه.
واستغوى من أصاغر الناس من هو في الغفلة والغباوة دونه، إلى أن قال ابن أبي هاشم: وذلك أنه قال: إن لما كان لخلف بن هشام وأبي عبيد وابن سعدان، أن يختاروا وكان ذلك لهم مباحا غير منكر، كان لمن بعدهم مباحا.
فلو كان حذا حذوهم فيما اختاروه، وسلك طريقهم، ولكان ذلك سائغا له ولغيره، وذلك أن خلفا ترك حروفا من حروف حمزة، اختار أن يقرأها على مذهب نافع.