تصدير

أتى على العربية حين من الدهر طويل، لملمت فيه أطرافها، وسكنت خلاله إلى جهود جهابذتها الأولين؛ ثم لم تجد من أبنائها من يكرس جهده أو بعضًا منه لنشر ما طوي منها في بطون الكتب وإحياء ما كاد يدرس من معالمها. لولا أن انفجرت في أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، حماسة كانت راكدة، ورغبات أمست باردة؛ فلم يلبث فريق من رواد البحث اللغوي الحديث، تحت تأثير النهضة القومية، وتوق أبناء العروبة إلى تجددي ما بلي أو كاد يبلي من تراثها، حتى اندفع في تقييد أوابدها وتجميع شواردها والتفريع عن أصولها، مستهدفًا اللحاق بالركب العالمي، جاهدًا في استيعاب ما تجدد من الفكر والصناعات، مستنيرًا بمعطيات اللغة الأصيلة وفلسفة تكوينها، فأصاب من التوفيق ما تفاوت بتفاوت حظوظ أفراده، من الثبات في العمل، والسعة في الإدراك، والقدرة على التحميص.

ثم نشأت أثناء ذلك مجامع ومؤسسات، وبخاصة في القاهرة ودمشق؛ فكان في القاهرة مجمع دار العلوم والمجمع المكي، وكان في دمشق المجمع العلمي العربي، تضاف إليها جهود أعلام في مصر وبلاد الشام، من بينهم المغفور له الشيخ محمد عبده، وأحمد تيمور، والمرصفي، ثم الأب أنستاس الكرملي وغيرهم من المتخصصين في دراسة اللغة العربية، ممن لا تتسع هذه العجالة لذكر أعمالهم واستعراض مباحثهم.

كانت هذه المحاولات الأولية شهبًا اخترقت ظلمات الليل، ومصابيح ألقت شعاعًا على جوانب خفية من اللغة العربية ذات أصالة بالغة. وقد دفعت المجمع العلمي العربي بدمشق إلى تكليف المغفور له العلامة الشيخ أحمد رضا خلال سنة 1930 م (1349 هـ) العمل على إعداد معجم مطول يجمع فيه ما تناثر من جواهر العربية في بطون المطولات اللغوية القديمة، وإلحاق ما استحدث من الألفاظ والمصطلحات به؛ فعل هذا ثقة منه بكفاءة الشيخ العلامة، وقدرته الفائقة على الصبر في التمحيص، والثبات في الجمع، والعمق في الوعي اللغوي وإدراك أسرار العربية.

فما تردد المرحوم في النهوض لهذه المهمة، ولا نكص عما هم به من هذا العمل الجليل. ثم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015