كيف تكلم الإنسان؟
قلنا: إن الإنسان باتساع إدراكه احتاج إلى التعاون، فاحتاج من ثم إلى اللغة؛ ولا ريب في أن اتساع المدارك كان يتدرج بتدرج النمو فيها، فيكون احتياج اللغة بطريق التدرج أيضًا. وبعد أن كان التفاهم بالإشارات ثم بالمقاطع الصوتية القليلة، أصبح بمقاطع أكثر لحاجات أكثر؛ وهكذا إلى أن نمت اللغة بنمو الإدراك وتكاثر الحاجة، وكيفت المقاطع حروفًا أمكن حصرها، فكان منها اللغة.
هل أم اللغات واحدة؟
إذا ساغ لنا أن نسمي ما تفاهم به الإنسان الأول من المقاطع البسيطة والألفاظ القليلة لغة، صح لنا أن نقول: إن أم اللغات واحدة كما اتفق عليه الجمهور. وهذا القول مبني على وحدة أصل النوع، ثم تفرعت اللغات بتفرق الناس واختلاف أحوالهم، وبنسبة التغير والتبدل الطارئ مع تشتت الحال والديار.
كانت اللغة التي نسميها أم اللغات بسيطة جدًا، خاضعة كثيرًا لسنة التغيير والتبديل والتحريف والاستنباط الجديد، مع اختلاف العادات والمعايش وسائر الأحوال.
وربما أنكر السامع بادئ ذي بدء، ولأول وهلة، أن اللغة الصينية هي أخت اللغة العربية، أي أنها أمهما الأولى واحدة وأنهما من أصل واحد، مع ما بينهما من الفروق الكثيرة والبون الشاسع الذي يستبعد معه العقل أن يسلم باتحاد الأصل. ولكن التوغل في قدم افتراق الألسن، وشدة تأثير الزمان والمكان في تكييف اللغة- ولاسيما في لغة ليست بذات أصول وقواعد تمسكها عن التهور في التغيير والتبديل- كل ذلك يجعل الاختلاف في بنات الأصل الواحد إلى هذا الحد، غير مستحيل عادة.
وقد أثبت الماجور "كوندر (?) " في مقال قرأه في جمعية فيكتوريا الفلسفية، أن الأصول في اللغات الآرية والسامية والمغولية، وفي اللغتين القديمتين الأكدية والمصرية، كلها متشابهة، تدل على أصل واحد، وأتى بأربعة آلاف كلمة من هذه اللغات لإظهار المشابهة.
من هو واضع اللغة الأولى؟
ترى الطفل أول ما يلغى ويتحرك لسانه بالكلام يكون ذلك منه بالحروف السهلة على النطق، فإذا أدرك الأشياء أخذ يطلق عليها من هذه الحروف ما لا يخلو من مناسبة مع اسمها الموضوع لها في اللغة التي فتق عليها سمعه، فإذا اتسع إدراكه وانطلق لسانه بالحروف الأخرى،