[الجزء الاول]
مقدمة*
وصف المعجم، وبيان قيمته العلمية، وتاريخه*
هذا معجم ما استعجم من أسماء المواضع والبلاد، لأبى عبيد البكرىّ. وهو معجم لغوىّ جغرافىّ، يصف جزيرة العرب، ويتقرّى ما بها من المعالم والمشاهد، والبلدان والمعاهد، والآثار والمحافد، والمناهل والموارد؛ ويتتبّع هجرة القبائل العربية من أوطانها، واضطرابها فى أعطانها، وتردّدها بين مصايفها ومرابعها، ومباديها ومحاضرها؛ ويذكر أيامها ووقائعها، وأنسابها وعشائرها.
وهو أثر نفيس من صميم التّراث الأدبى والعلمىّ، ممّا خلّفه العرب إبّان نضجهم العقلىّ، وارتقائهم العلمىّ، ولا نكاد نجد له نظيرا فى معاجم البلدان، التى وصلت إلى أيدينا سليمة من أحداث الزمان، فهو يبذّها جميعا: غزارة موادّ، وكثرة تفاصيل، واكتمال عناصر، ودقة مناهج، وتمام ضبط، وجمال أسلوب، وتحرير عبارة.
سبق البكرىّ إلى التأليف فى جغرافية جزيرة العرب، أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب بن يوسف بن داود الهمدانىّ اليمنى، المعروف بابن الحائك، المتوفى بصنعاء من اليمن سنة 334 هجرية، وكتابه «صفة جزيرة العرب» ، الذي نشره المستشرق مولّر سنة 1884 بمطبعة بريل بليدن، من أنفس كتب الجغرافيا القديمة: اعتمد فيه على مشاهداته الخاصة، وما عاينه فى أثناء رحلاته فى جزيرة العرب، لا على النقل من الكتب؛ لكنّه مع هذه المزية الظاهرة، لا يبلغ مبلغ معجم البكرىّ، لشدة إيجازه.
وقلة تفاصيله، إلا فيما يخص جغرافية بلاده، وهى القسم الجنوبى من جزيرة العرب، فقد حشد له كل جهوده؛ ولأنه لم يرتّب كتابه ترتيب المعاجم، وإنما رتبه على أبواب وفصول.
على أن البكرىّ قد انتفع من كتاب الهمدانىّ هذا كثيرا، فكان من مصادره المهمّة، ينقل عنه، ويستند إليه، وخاصة إذا أظلم ليل الشّبهة وغامت سماء الشكوك.
وممن ألف بعد البكرى معجما عامّا فى البلدن وذكر جزيرة العرب، ياقوت بن عبد الله الرومى الحموى. (572- 626 هـ) صاحب معجم البلدان، وهو من أجل هذه المعاجم خطرا،